nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28987_29568ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وجئنا بك شهيدا أي أرسلناك شهيدا على المشركين ، وأنزلنا عليك القرآن لينتفع به المسلمون ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم شهيد على المكذبين ، ومرشد للمؤمنين .
وهذا تخلص للشروع في تعداد النعم على المؤمنين من نعم الإرشاد ، ونعم الجزاء على الأمثال ، وبيان بركات هذا الكتاب المنزل لهم .
[ ص: 253 ] وتعريف الكتاب للعهد ، وهو القرآن .
و ( تبيانا ) مفعول لأجله . والتبيان مصدر دال على المبالغة في المصدرية ، ثم أريد به اسم الفاعل فحصلت مبالغتان ، وهو بكسر التاء ، ولا يوجد مصدر بوزن ( تفعال ) بكسر التاء إلا ( تبيان ) بمعنى البيان كما هنا ، و ( تلقاء ) بمعنى اللقاء لا بمعنى المكان ، وما سوى ذلك من المصادر الواردة على هذه الزنة بفتح التاء .
وأما أسماء الذوات والصفات الواردة على هذه الزنة فهي بكسر التاء وهي قليلة ، عد منها : تمثال ، وتنبال ، للقصير . وأنهاها
ابن مالك في نظم الفوائد إلى أربع عشرة كلمة .
و كل شيء يفيد العموم ، إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع : من إصلاح النفوس ، وإكمال الأخلاق ، وتقويم المجتمع المدني ، وتبين الحقوق ، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما يأتي من خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية ، ووصف أحوال الأمم ، وأسباب فلاحها وخسارها ، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم .
وفي خلال ذلك كله أسرار ، ونكت من أصول العلوم والمعارف صالحة لأن تكون بيانا لكل شيء على وجه العموم الحقيقي ، إن سلك في بيانها طريق التفصيل ، واستنير فيها بما شرح الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما قفاه به أصحابه وعلماء أمته ، ثم ما يعود إلى الترغيب والترهيب من وصف ما أعد للطائعين ، وما أعد للمعرضين ، ووصف عالم الغيب والحياة الآخرة ، ففي كل ذلك بيان لكل شيء يقصد بيانه للتبصر في هذا الغرض الجليل ، فيأول ذلك العموم العرفي بصريحه إلى عموم حقيقي بضمنه ولوازمه ، وهذا من أبدع الإعجاز .
[ ص: 254 ] وخص بالذكر الهدى والرحمة والبشرى لأهميتها ، فالهدى ما يرجع من التبيان إلى تقويم العقائد والأفهام ، والإنقاذ من الضلال ، والرحمة ما يرجع منه إلى سعادة الحياتين الدنيا والأخرى ، والبشرى ما فيه من الوعد بالحسنيين الدنيوية والأخروية .
وكل ذلك للمسلمين دون غيرهم ؛ لأن غيرهم لما أعرضوا عنه حرموا أنفسهم الانتفاع بخواصه كلها .
فاللام في لكل شيء متعلق بالتبيان ، وهي لام التقوية ; لأن كل شيء في معنى المفعول به لـ تبيانا ، واللام في للمسلمين لام العلة بتنازع تعلقها ( تبيانا وهدى ورحمة وبشرى ) وهذا هو الوجه .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28987_29568وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا أَيْ أَرْسَلْنَاكَ شَهِيدًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ ، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدٌ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ ، وَمُرْشِدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ .
وَهَذَا تَخَلُّصٌ لِلشُّرُوعِ فِي تَعْدَادِ النِّعَمِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعَمِ الْإِرْشَادِ ، وَنِعَمِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَمْثَالِ ، وَبَيَانُ بَرَكَاتِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ لَهُمْ .
[ ص: 253 ] وَتَعْرِيفُ الْكِتَابِ لِلْعَهْدِ ، وَهُوَ الْقُرْآنُ .
وَ ( تِبْيَانًا ) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ . وَالتِّبْيَانُ مَصْدَرٌ دَالٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَصْدَرِيَّةِ ، ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ فَحَصَلَتْ مُبَالَغَتَانِ ، وَهُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ ، وَلَا يُوجَدُ مَصْدَرٌ بِوَزْنِ ( تِفْعَالٌ ) بِكَسْرِ التَّاءِ إِلَّا ( تِبْيَانٌ ) بِمَعْنَى الْبَيَانِ كَمَا هُنَا ، وَ ( تِلْقَاءُ ) بِمَعْنَى اللِّقَاءِ لَا بِمَعْنَى الْمَكَانِ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْوَارِدَةِ عَلَى هَذِهِ الزِّنَةِ بِفَتْحِ التَّاءِ .
وَأَمَّا أَسْمَاءُ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى هَذِهِ الزِّنَةِ فَهِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهِيَ قَلِيلَةٌ ، عُدَّ مِنْهَا : تِمْثَالٌ ، وَتِنْبَالٌ ، لِلْقَصِيرِ . وَأَنْهَاهَا
ابْنُ مَالِكٍ فِي نَظْمِ الْفَوَائِدِ إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً .
وَ كُلُّ شَيْءٍ يُفِيدُ الْعُمُومَ ، إِلَّا أَنَّهُ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ فِي دَائِرَةِ مَا لِمِثْلِهِ تَجِيءُ الْأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعُ : مِنْ إِصْلَاحِ النُّفُوسِ ، وَإِكْمَالِ الْأَخْلَاقِ ، وَتَقْوِيمِ الْمُجْتَمَعِ الْمَدَنِيِّ ، وَتَبَيُّنِ الْحُقُوقِ ، وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ ، وَصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا يَأْتِي مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ مِنَ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالدَّقَائِقِ الْكَوْنِيَّةِ ، وَوَصْفِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ ، وَأَسْبَابِ فَلَاحِهَا وَخَسَارِهَا ، وَالْمَوْعِظَةِ بِآثَارِهَا بِشَوَاهِدِ التَّارِيخِ ، وَمَا يَتَخَلَّلُ ذَلِكَ مِنْ قَوَانِينِهِمْ وَحَضَارَاتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ .
وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَسْرَارٌ ، وَنُكَتٌ مِنْ أُصُولِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ الْحَقِيقِيِّ ، إِنْ سَلَكَ فِي بَيَانِهَا طَرِيقَ التَّفْصِيلِ ، وَاسْتُنِيرَ فِيهَا بِمَا شَرَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا قَفَاهُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَعُلَمَاءُ أُمَّتِهِ ، ثُمَّ مَا يَعُودُ إِلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ وَصْفِ مَا أَعَدَّ لِلطَّائِعِينَ ، وَمَا أَعَدَّ لِلْمُعْرِضِينَ ، وَوَصْفِ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالْحَيَاةِ الْآخِرَةِ ، فَفِي كُلِّ ذَلِكَ بَيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يُقْصَدُ بَيَانُهُ لِلتَّبَصُّرِ فِي هَذَا الْغَرَضِ الْجَلِيلِ ، فَيُأَوَّلُ ذَلِكَ الْعُمُومُ الْعُرْفِيُّ بِصَرِيحِهِ إِلَى عُمُومٍ حَقِيقِيٍّ بِضِمْنِهِ وَلَوَازِمِهِ ، وَهَذَا مِنْ أَبْدَعَ الْإِعْجَازِ .
[ ص: 254 ] وَخُصَّ بِالذِّكْرِ الْهُدَى وَالرَّحْمَةُ وَالْبُشْرَى لِأَهَمِّيَّتِهَا ، فَالْهُدَى مَا يَرْجِعُ مِنَ التِّبْيَانِ إِلَى تَقْوِيمِ الْعَقَائِدِ وَالْأَفْهَامِ ، وَالْإِنْقَاذِ مِنَ الضَّلَالِ ، وَالرَّحْمَةُ مَا يَرْجِعُ مِنْهُ إِلَى سَعَادَةِ الْحَيَاتَيْنِ الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى ، وَالْبُشْرَى مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ بِالْحُسْنَيَيْنِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ .
وَكُلُّ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْهُ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمُ الِانْتِفَاعَ بِخَوَاصِّهِ كُلِّهَا .
فَاللَّامُ فِي لِكُلِّ شَيْءٍ مُتَعَلِّقٌ بِالتِّبْيَانِ ، وَهِيَ لَامُ التَّقْوِيَةِ ; لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِـ تِبْيَانًا ، وَاللَّامُ فِي لِلْمُسْلِمِينَ لَامُ الْعِلَّةِ بِتَنَازُعِ تَعَلُّقِهَا ( تِبْيَانًا وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى ) وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ .