فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم لما حذرهم من النقض الذي يئول إلى اتخاذ أيمانهم دخلا فيهم ، وأشار بالإجمال إلى ما في ذلك من الفساد فيهم ، أعاد الكرة إلى بيان عاقبة ذلك الصنيع إعادة تفيد التصريح بالنهي عن ذلك ، وتأكيد التحذير ، وتفصيل الفساد في الدنيا ، وسوء العاقبة في الآخرة ، فكان قوله تعالى ولا تتخذوا تصريحا بالنهي ، وقوله تعالى تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم تأكيد لقوله قبله تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، وكان تفريع قوله تعالى فتزل قدم إلى قوله عن سبيل الله تفصيلا لما أجمل في معنى الدخل .
وقوله تعالى ولكم عذاب عظيم المعطوف على التفريع وعيد بعقاب الآخرة ، وبهذا التصدير وهذا التفريع الناشئ عن جملة ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فارقت هذه نظيرتها السابقة بالتفصيل والزيادة ، فحق أن تعطف عليها لهذه المغايرة ، وإن كان شأن الجملة المؤكدة أن لا تعطف .
والزلل : تزلق الرجل وتنقلها من موضعها دون إرادة صاحبها ; بسبب ملاسة الأرض من طين رطب ، أو تخلخل حصى أو حجر من تحت القدم فيسقط الماشي على الأرض ، وتقدم عند قوله تعالى فأزلهما الشيطان عنها في سورة البقرة .
[ ص: 269 ] وزلل القدم تمثيل لاختلال الحال ، والتعرض للضر ; لأنه يترتب عليه السقوط أو الكسر ، كما أن ثبوت القدم تمكن الرجل من الأرض ، وهو تمثيل لاستقامة الحال ، ودوام السير .
ولما كان المقصود تمثيل ما يجره نقض الأيمان من الدخل شبهت حالهم بحال الماشي في طريق بينما كانت قدمه ثابتة إذا هي قد زلت به فصرع ، فالمشبه بها حال رجل واحد ، ولذلك نكرت ( قدم ) وأفردت ، إذ ليس المقصود قدما معنية ، ولا عددا من الأقدام ، فإنك تقول لجماعة يترددون في أمر : أراكم تقدمون رجلا ، وتؤخرون أخرى ؛ تمثيلا لحالهم بحال الشخص المتردد في المشي إلى الشيء .
وزيادة بعد ثبوتها مع أن الزلل لا يتصور إلا بعد الثبوت ; لتصوير اختلاف الحالين ، وأنه انحطاط من حال سعادة إلى حال شقاء ، ومن حال سلامة إلى حال محنة .
والثبوت : مصدر ثبت كالثبات ، وهو الرسوخ ، وعدم التنقل ، وخص المتأخرون من الكتاب الثبوت الذي بالواو بالمعنى المجازي ، وهو التحقق مثل ثبوت عدالة الشاهد لدى القاضي ، وخصوا الثبات الذي بالألف بالمعنى الحقيقي ، وهي تفرقة حسنة .
والذوق : مستعار للإحساس القوي كقوله تعالى ليذوق وبال أمره ، وتقدم في سورة العقود .
والسوء : ما يؤلم ، والمراد به : ذوق السوء في الدنيا من معاملتهم معاملة الناكثين عن الدين أو الخائنين عهودهم .
و ( صددتم ) هنا قاصر ، أي بكونهم معرضين عن سبيل الله ، وتقدم آنفا ، ذلك أن الآيات جاءت في الحفاظ على العهد الذي يعاهدون الله عليه ، أي على التمسك بالإسلام .
فسبيل الله : هو دين الإسلام .
[ ص: 270 ] وقوله تعالى ولكم عذاب عظيم هو عذاب الآخرة على الرجوع إلى الكفر أو على معصية غدر العهد .
وقد عصم الله المسلمين من الارتداد مدة مقام النبيء صلى الله عليه وسلم ، وما ارتد أحد إلا بعد الهجرة حين ظهر النفاق ، فكانت فلتة واحدة في المهاجرين ، وقد تاب ، وقبل توبته النبيء صلى الله عليه وسلم . عبد الله بن سعد بن أبي سرح