إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم   جملة معترضة ، وورود هذه الآية عقب ذكر اختلاق المتقعرين على القرآن المرجفين بالقالة فيه بين الدهماء يومئ إلى أن المراد بالذين لا يؤمنون هم أولئك المردود عليهم آنفا ، وهم فريق معلوم بشدة العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وبالتصلب في التصدي لصرف الناس عنه ، بحيث بلغوا من الكفر غاية ما وراءها غاية ، فحقت عليهم كلمة الله أنهم لا يؤمنون ، فهؤلاء فريق غير معين يومئذ ، ولكنهم مشار إليهم على وجه الإجمال ، وتكشف عن تعيينهم عواقب أحوالهم . 
فقد كان من الكافرين بالنبيء صلى الله عليه وسلم أبو جهل ،  وأبو سفيان ،  وكان أبو سفيان  أطول مدة في الكفر من أبي جهل ،  ولكن أبا جهل  كان يخلط كفره بأذى النبيء صلى الله عليه وسلم والحنق عليه ، وكان أبو سفيان  مقتصرا على الانتصار لدينه ولقومه ، ودفع المسلمين عن أن يغلبوهم فحرم الله أبا جهل  الهداية ; فأهلكه كافرا ، وهدى أبا سفيان    ; فأصبح من خيرة المؤمنين ، وتشرف بصهر النبيء صلى الله عليه وسلم ، وكان الوليد بن المغيرة   وعمر بن الخطاب   [ ص: 289 ] كافرين ، وكان كلاهما يدفع الناس من اتباع الإسلام ، ولكن الوليد  كان يختلق المعاذير والمطاعن في القرآن ، وذلك من الكيد ، وعمر  كان يصرف الناس بالغلظة علنا دون اختلاق ; فحرم الله الوليد بن المغيرة  الاهتداء ، وهدى عمر  إلى الإسلام ، فأصبح الإسلام به عزيز الجانب ، فتبين الناس أن الوليد  من الذين لا يؤمنون بآيات الله ، وأن عمر  ليس منهم ، وقد كانا معا كافرين في زمن ما ، ويشير إلى هذا المعنى الذي ذكرناه قوله تعالى إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار  فوصف من لا يهديه الله بوصفي ; الكذب ، وشدة الكفر . 
فتبين أن معنى قوله تعالى الذين لا يؤمنون بآيات الله  من كان الإيمان منافيا لجبلة طبعه لا لأميال هواه ، وهذا يعلم الله أنه لا يؤمن ، وأنه ليس معرضا للإيمان ; فلذلك لا يهديه الله ، أي لا يكون الهداية في قلبه . 
وهذا الأسلوب عكس أسلوب قوله تعالى ( إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون    ) ، وكل يرمي إلى معنى عظيم . 
فموقع هذه الجملة من التي قبلها موقع التعليل لجميع أقوالهم المحكية ، والتذييل لخلاصة أحوالهم ، ولذلك فصلت بدون عطف . 
وعطف ولهم عذاب أليم  على لا يهديهم الله  للدلالة على حرمانهم من الخير ، وإلقائهم في الشر ; لأنهم إذا حرموا الهداية فقد وقعوا في الضلالة ، وماذا بعد الحق إلا الضلال  ، وهذا كقوله تعالى كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير  ، ويشمل العذاب عذاب الدنيا - وهو عذاب القتل - مثل ما أصاب أبا جهل  يوم بدر  من ألم الجراح ، وهو في سكرات الموت ، ثم من إهانة الإجهاز عليه عقب ذلك . 
				
						
						
