[ ص: 156 ] إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا   
وجملة إن عبادي ليس لك عليهم سلطان  من تمام الكلام المحكي ب قال اذهب  ، وهي جملة مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن قوله فمن تبعك منهم  وقوله واستفزز من استطعت منهم  ، فإن مفهوم من تبعك و من استطعت  من قبيل مفهوم الصفة فيفيد أن فريقا من ذرية آدم  لا يتبع إبليس فلا يحتنكه ، وهذا المفهوم يفيد أن الله قد عصم أو حفظ هذا الفريق من الشيطان ، وذلك يثير سؤالا في خاطر إبليس ليعلم الحائل بينه وبين ذلك الفريق بعد أن علم في نفسه علما إجماليا أن فريقا لا يحتنكه لقوله لأحتنكن ذريته إلا قليلا  ، فوقعت الإشارة إلى تعيين هذا الفريق بالوصف وبالسبب . 
فأما الوصف ففي قوله ( عبادي ) المفيد أنهم تمحضوا لعبودية الله تعالى كما تدل عليه الإضافة ، فعلم أن من عبدوا الأصنام والجن وأعرضوا عن عبودية الله تعالى ، ليسوا من أولئك . 
وأما السبب  ففي قوله وكفى بربك وكيلا  المفيد أنهم توكلوا على الله ، واستعاذوا به من الشيطان ، فكان خير وكيل لهم إذ حاطهم من الشيطان ، وحفظهم منه . 
وفي هذا التوكل مراتب  من الانقلاب عن احتناك الشيطان ، وهي مراتب المؤمنين من الأخذ بطاعة الله كما هو الحق عند أهل السنة . 
فالسلطان المنفي في قوله ليس لك عليهم سلطان  هو الحكم المستمر بحيث يكونون رعيته ومن جنده ، وأما غيرهم فقد يستهويهم الشيطان ، ولكنهم لا يلبثون أن يثوبوا إلى الصالحات ، وكفاك من ذلك دوام توحيدهم لله ، وتصديقهم   [ ص: 157 ] رسوله ، واعتبارهم أنفسهم عبادا لله متطلبين شكر نعمته ، فشتان بينهم وبين أهل الشرك ، وإن سخفت في شأنهم عقيدة أهل الاعتزال ، وقد تقدم معنى هذا عند قوله تعالى إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون  في سورة النحل . 
فالمؤمن لا يتولى الشيطان أبدا  ، ولكنه قد ينخدع لوسواسه ، وهو مع ذلك يلعنه فيما أوقعه فيه من الكبائر ، وبمقدار ذلك الانخداع يقترب من سلطانه ، وهذا معنى قول النبيء صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع : إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا ، ولكنه قد رضي بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم   . 
فجملة وكفى بربك وكيلا  يجوز أن تكون تكملة لتوبيخ الشيطان ، فيكون ( كاف الخطاب ) ضمير الشيطان تسجيلا عليه بأنه عبد الله ، ويجوز أن تكون معترضة في آخر الكلام فتكون كاف الخطاب ضمير النبيء صلى الله عليه وسلم تقريبا للنبيء بالإضافة إلى ضمير الله ، ومآل المعنى على الوجهين واحد وإن اختلف الاعتبار . 
				
						
						
