nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28989_31756ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا تتنزل هذه الجملة منزلة التعليل للجملتين اللتين قبلها ، وهما
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50أفتتخذونه وذريته إلى قوله بدلا ، فإنهم لما لم يشهدوا خلق السماوات والأرض لم يكونوا شركاء لله في الخلق بطريق الأولى فلم يكونوا أحقاء بأن يعبدوا ، وهذا احتجاج على المشركين بما يعترفون به ، فإنهم يعترفون بأن الله هو المتفرد بخلق السماوات والأرض ، وخلق الموجودات .
والإشهاد : جعل الغير شاهدا ، أي حاضرا ، وهو هنا كناية عن إحضار خاص ، وهو إحضار المشاركة في العمل أو الإعانة عليه ، ونفي هذا الشهود يستلزم نفي
[ ص: 343 ] المشاركة في الخلق والإلهية بالفحوى ، أي : بالأولى ، فإن خلق السماوات كان قبل وجود إبليس وذريته ، فهو استدلال على انتفاء إلهيتهم بسبق العدم على وجودهم ، وكل ما جاز عليه العدم استحال عليه القدم ، والقدم من لوازم الإلهية ، وضمائر الغيبة في قوله " أشهدتهم " وقوله " أنفسهم " عائدة إلى المتحدث عنه ، أي إبليس وذريته ، كما عاد إليهم الضمير في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وهم لكم عدو .
ومعنى " أنفسهم " : أنفس بعضهم بقرينة استحالة مشاهدة المخلوق خلق نفسه ، فإطلاق الأنفس هنا نظير إطلاقه في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=84ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ، أي أنفس بعضكم ، فعلى هذا الوجه تتناسق الضمائر ، ويتقوم المعنى المقصود .
واعلم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض قبل أن يخلق لهما سكانهما كما دل عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها ، وكان أهل الجاهلية يعتقدون في الأرض جنا متصرفين فكانوا إذا نزلوا واديا مخوفا قالوا : أعوذ بعزيز هذا الوادي ، ليكونوا في أمن من ضره .
وقرأ
أبو جعفر ( ما أشهدناهم ) بنون العظمة ، وقرأ ( وما كنت ) بفتح التاء على الخطاب ، والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو خبر مستعمل في النهي .
والمراد بالمضلين الشياطين ; لأنهم أضلوا الناس بإلقاء خواطر الضلالة والفساد في النفوس ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51وما كنت متخذ المضلين عضدا تذييل لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض .
[ ص: 344 ] والعدول عن الإضمار بأن يقال : وما كنت متخذهم إلى المضلين لإفادة الذم ، ولأن التذييل ينبغي أن يكون كلاما مستقلا .
والعضد بفتح العين وضم الضاد المعجمة في الأفصح ، وبالفتح وسكون الضاد في لغة تميم ، وفيه لغات أخرى أضعف ، ونسب
ابن عطية أن
أبا عمرو قرأه بضم العين وضم الضاد على أنها لغة في عضد ، وهي رواية
هارون عن
أبي عمرو ، وليست مشهورة ، وهو : العظم الذي بين المرفق والكتف ، وهو يطلق مجازا على المعين على العمل ، يقال : فلان عضدي ، واعتضدت به .
والمعنى : لا يليق بالكمال الإلهي أن أتخذ أهل الإضلال أعوانا فأشركهم في تصرفي في الإنشاء ، فإن الله مفيض الهداية وواهب الدراية ، فكيف يكون أعوانه مصادر الضلالة ؟ أي لا يعين المعين إلا على عمل أمثاله ، ولا يكون إلا قرينا لأشكاله .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28989_31756مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيلِ لِلْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا ، وَهُمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ إِلَى قَوْلِهِ بَدَلًا ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَشْهَدُوا خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي الْخَلْقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَمْ يَكُونُوا أَحِقَّاءَ بِأَنْ يُعْبَدُوا ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَا يَعْتَرِفُونَ بِهِ ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَخَلْقِ الْمَوْجُودَاتِ .
وَالْإِشْهَادُ : جَعْلُ الْغَيْرِ شَاهِدًا ، أَيْ حَاضِرًا ، وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ إِحْضَارٍ خَاصٍّ ، وَهُوَ إِحْضَارُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْعَمَلِ أَوِ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِ ، وَنَفْيُ هَذَا الشُّهُودِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ
[ ص: 343 ] الْمُشَارَكَةِ فِي الْخَلْقِ وَالْإِلَهِيَّةِ بِالْفَحْوَى ، أَيْ : بِالْأَوْلَى ، فَإِنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ كَانَ قَبْلَ وُجُودِ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى انْتِفَاءِ إِلَهِيَّتِهِمْ بِسَبْقِ الْعَدَمِ عَلَى وُجُودِهِمْ ، وَكُلُّ مَا جَازَ عَلَيْهِ الْعَدَمُ اسْتَحَالَ عَلَيْهِ الْقِدَمُ ، وَالْقِدَمُ مِنْ لَوَازِمَ الْإِلَهِيَّةِ ، وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ " أَشْهَدْتُهُمْ " وَقَوْلِهِ " أَنْفُسِهِمْ " عَائِدَةٌ إِلَى الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ ، أَيْ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ ، كَمَا عَادَ إِلَيْهِمُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ .
وَمَعْنَى " أَنْفُسِهِمْ " : أَنْفُسُ بَعْضِهِمْ بِقَرِينَةِ اسْتِحَالَةِ مُشَاهَدَةِ الْمَخْلُوقِ خَلْقَ نَفْسِهِ ، فَإِطْلَاقُ الْأَنْفُسِ هَنَا نَظِيرُ إِطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=84وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ، أَيْ أَنْفُسَ بَعْضِكُمْ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَتَنَاسَقُ الضَّمَائِرُ ، وَيَتَقَوَّمُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ لَهُمَا سُكَّانَهُمَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ فِي الْأَرْضِ جِنًّا مُتَصَرِّفِينَ فَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا مَخُوفًا قَالُوا : أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي ، لِيَكُونُوا فِي أَمْنٍ مِنْ ضُرِّهِ .
وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ ( مَا أَشْهَدْنَاهُمْ ) بِنُونِ الْعَظَمَةِ ، وَقَرَأَ ( وَمَا كُنْتَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي النَّهْيِ .
وَالْمُرَادُ بِالْمُضِلِّينَ الشَّيَاطِينُ ; لِأَنَّهُمْ أَضَلُّوا النَّاسَ بِإِلْقَاءِ خَوَاطِرِ الضَّلَالَةِ وَالْفَسَادِ فِي النُّفُوسِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
[ ص: 344 ] وَالْعُدُولُ عَنِ الْإِضْمَارِ بِأَنْ يُقَالَ : وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَهُمْ إِلَى الْمُضِلِّينَ لِإِفَادَةِ الذَّمِّ ، وَلِأَنَّ التَّذْيِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا .
وَالْعَضُدُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فِي الْأَفْصَحِ ، وَبِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الضَّادِ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ ، وَفِيهِ لُغَاتٌ أُخْرَى أَضْعَفُ ، وَنَسَبَ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ
أَبَا عَمْرٍو قَرَأَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَضَمِّ الضَّادِ عَلَى أَنَّهَا لُغَةٌ فِي عَضُدٍ ، وَهِيَ رِوَايَةُ
هَارُونَ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو ، وَلَيْسَتْ مَشْهُورَةً ، وَهُوَ : الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ الْمِرْفَقِ وَالْكَتِفِ ، وَهُوَ يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الْمُعِينِ عَلَى الْعَمَلِ ، يُقَالُ : فُلَانٌ عَضُدِي ، وَاعْتَضَدْتُ بِهِ .
وَالْمَعْنَى : لَا يَلِيقُ بِالْكَمَالِ الْإِلَهِيِّ أَنْ أَتَّخِذَ أَهْلَ الْإِضْلَالِ أَعْوَانًا فَأُشْرِكَهُمْ فِي تَصَرُّفِي فِي الْإِنْشَاءِ ، فَإِنَّ اللَّهَ مُفِيضٌ الْهِدَايَةَ وَوَاهِبٌ الدِّرَايَةَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَعْوَانُهُ مَصَادِرَ الضَّلَالَةِ ؟ أَيْ لَا يُعِينُ الْمُعِينَ إِلَّا عَلَى عَمَلِ أَمْثَالِهِ ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا قَرِينًا لِأَشْكَالِهِ .