فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها  قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا  أي فعقب تلك المحاورة أنهما انطلقا ، والانطلاق : الذهاب والمشي ، مشتق من الإطلاق وهو ضد التقييد ; لأن الدابة إذا حل عقالها مشت ، فأصله مطاوع أطلقه . 
و ( حتى ) غاية للانطلاق ، أي إلى أن ركبا في السفينة . 
و ( حتى ) ابتدائية ، وفي الكلام إيجاز دل عليه قوله إذا ركبا في السفينة  ، أصل الكلام : حتى استأجرا سفينة فركباها ، فلما ركبا في السفينة خرقها . 
 [ ص: 375 ] وتعريف السفينة تعريف العهد الذهني ، مثل التعريف في قوله تعالى وأخاف أن يأكله الذئب    . 
و ( إذا ) ظرف للزمان الماضي هنا ، وليست متضمنة معنى الشرط ، وهذا التوقيت يؤذن بأخذه في خرق السفينة حين ركوبهما ، وفي ذلك ما يشير إلى أن الركوب فيها كان لأجل خرقها ; لأن الشيء المقصود يبادر به قاصده ; لأنه يكون قد دبره ، وارتآه من قبل . 
وبني نظم الكلام على تقديم الظرف على عامله ; للدلالة على أن الخرق وقع بمجرد الركوب في السفينة ; لأن في تقديم الظرف اهتماما به ، فيدل على أن وقت الركوب مقصود ; لإيقاع الفعل فيه . 
وضمن الركوب معنى الدخول ; لأنه ركوب مجازي ، فلذلك عدي بحرف ( في ) الظرفية نظير قوله تعالى وقال اركبوا فيها  دون نحو قوله والخيل والبغال والحمير لتركبوها  ، وقد تقدم ذلك في سورة هود    . 
والخرق : الثقب والشق ، وهو ضد الالتئام . 
والاستفهام في أخرقتها  للإنكار ، ومحل الإنكار هو العلة بقوله لتغرق أهلها    ; لأن العلة ملازمة للفعل المستفهم عنه ، ولذلك توجه أن يغير موسى  عليه السلام هذا المنكر في ظاهر الأمر ، وتأكيد إنكاره بقوله لقد جئت شيئا إمرا    . 
والإمر بكسر الهمزة : هو العظيم المفظع ، يقال : أمر كفرح إمرا ، إذا كثر في نوعه ، ولذلك فسره الراغب بالمنكر ; لأن المقام دال على شيء ضار ، ومقام الأنبياء في تغيير المنكر مقام شدة وصراحة . ولم يجعله " نكرا " كما في الآية بعدها ; لأن العمل الذي عمله الخضر  ذريعة للغرق ، ولم يقع الغرق بالفعل . 
وقرأ الجمهور لتغرق بمثناة فوقية مضمونه على الخطاب ، وقرأه حمزة  ،  والكسائي  ، وخلف    ( ليغرق ) بتحتية مفتوحة ورفع " أهلها " على إسناد فعل الغرق للأهل . 
				
						
						
