ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
أي هاب طرق المنايا أن يسلكها تنله المنايا ، أي تأتيه ، فذلك مجاز بالقرينة .
والمراد بـ مغرب الشمس مكان مغرب الشمس من حيث يلوح الغروب من جهات المعمور من طريق غزوته أو مملكته . وذلك حيث يلوح أنه لا أرض وراءه بحيث يبدو الأفق من جهة مستبحرة ، إذ ليس للشمس مغرب حقيقي إلا فيما يلوح للتخيل . والأشبه أن يكون ذو القرنين قد بلغ بحر الخزر وهو بحيرة قزوين فإنها غرب بلاد الصين .
والقول في تركيب حتى إذا بلغ مغرب الشمس كالقول في قوله حتى إذا ركبا في السفينة خرقها . والعين : منبع ماء . وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص في عين حمئة مهموزا مشتقا من الحمأة ، وهو الطين الأسود . والمعنى : عين مختلط ماؤها بالحمأة فهو غير صاف .
[ ص: 26 ] وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ، وخلف ( في عين حامية ) بألف بعد الحاء وياء بعد الميم ، أي حارة من الحمو وهو الحرارة ، أي أن ماءها سخن .
ويظهر أن هذه العين من عيون النفط الواقعة على ساحل بحر الخزر حيث مدينة باكو ، وفيها منابع النفط الآن ولم يكن معروفا يومئذ . والمؤرخون المسلمون يسمونها البلاد المنتنة .
وتنكير قوما يؤذن بأنهم أمة غير معروفة ولا مألوفة حالة عقائدهم وسيرتهم .
فجملة قلنا يا ذا القرنين استئناف بياني لما أشعر به تنكير قوما من إثارة سؤال عن حالهم وعما لاقاه بهم ذو القرنين .
وقد دل قوله إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا على أنهم مستحقون للعذاب ، فدل على أن أحوالهم كانت في فساد من كفر وفساد عمل .
وإسناد القول إلى ضمير الجلالة يحتمل أنه قول إلهام ، أي ألقينا في نفسه ترددا بين أن يبادر استئصالهم وأن يمهلهم ويدعوهم إلى الإيمان وحسن العمل ، ويكون قوله قال أما من ظلم ، أي قال في نفسه معتمدا على حالة وسط بين صورتي التردد .
وقيل : إن كان نبيئا يوحى إليه فيكون القول كلاما موحى به إليه يخيره فيه بين الأمرين ، مثل التخيير الذي في قوله تعالى ذا القرنين فإما منا بعد وإما فداء ، ويكون قوله قال أما من ظلم جوابا منه إلى ربه . وقد أراد الله إظهار سداد اجتهاده كقوله ففهمناها سليمان . وحسنا مصدر . وعدل عن أن تحسن إليهم إلى أن تتخذ فيهم حسنا مبالغة في الإحسان إليهم حتى جعل كأنه اتخذ فيهم نفس [ ص: 27 ] الحسن ، مثل قوله تعالى وقولوا للناس حسنا . وفي هذه المبالغة تلقين لاختيار أحد الأمرين المخير بينهما .
والظلم : الشرك ، بقرينة قسيمه في قوله وأما من آمن وعمل صالحا . واجتلاب حرف الاستقبال في قوله فسوف نعذبه يشير إلى أنه سيدعوه إلى الإيمان فإن أصر على الكفر يعذبه . وقد صرح بهذا المفهوم في قوله وأما من آمن وعمل صالحا أي آمن بعد كفره .
ولا يجوز أن يكون المراد من هو مؤمن الآن ، لأن التخيير بين تعذيبهم واتخاذ الإمهال معهم يمنع أن يكون فيهم مؤمنون حين التخيير .
والمعنى : فسوف نعذبه عذاب الدنيا ولذلك أسنده إلى ضميره ثم قال ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وذلك عذاب الآخرة .
وقرأ الجمهور ( جزاء الحسنى ) بإضافة ( جزاء ) إلى ( الحسنى ) على الإضافة البيانية . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف جزاء الحسنى بنصب جزاء منونا على أنه تمييز لنسبة استحقاقه الحسنى ، أو مصدر مؤكد لمضمون جملة فله جزاء الحسنى ، أو حال مقدمة على صاحبها باعتبار تعريف الجنس كالتنكير .
وتأنيث الحسنى باعتبار الخصلة أو الفعلة . ويجوز أن تكون الحسنى هي الجنة كما في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . والقول اليسر : هو الكلام الحسن . وصف باليسر المعنوي لكونه لا يثقل سماعه . وهو مثل قوله تعالى فقل لهم قولا ميسورا أي جميلا .
فإن كان المراد من الحسنى الخصال الحسنى ، فمعنى عطف وسنقول له من أمرنا يسرا أنه يجازي بالإحسان وبالثناء . وكلاهما [ ص: 28 ] من ذي القرنين ، وإن كان المراد من الحسنى ثواب الآخرة فذلك من أمر الله تعالى وإنما ذو القرنين مخبر به خبرا مستعملا في فائدة الخبر ، على معنى . إنا نبشره بذلك ، أو مستعملا في لازم الفائدة تأدبا مع الله تعالى ، أي أني أعلم جزاءه عندك الحسنى .
وعطف عليه وسنقول له من أمرنا يسرا لبيان حظ الملك من جزائه وأنه البشارة والثناء .