قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا اعتراض باستئناف ابتدائي أثاره مضمون جملة أفحسب الذين كفروا إلخ . فإنهم لما اتخذوا أولياء من ليسوا ينفعونهم فاختاروا الأصنام وعبدوها وتقربوا إليها بما أمكنهم من القرب اغترارا بأنها تدفع عنهم وهي لا تغني عنهم شيئا فكان عملهم خاسرا وسعيهم باطلا . فالمقصود من هذه الجملة هو قوله وهم يحسبون . . . إلخ .
وافتتاح الجملة بالأمر بالقول للاهتمام بالمقول بإصغاء السامعين لأن مثل هذا الافتتاح يشعر بأنه في غرض منهم ، وكذلك افتتاحه باستفهامهم عن إنبائهم استفهاما مستعملا في العرض لأنه [ ص: 46 ] بمعنى : أتحبون أن ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، وهو عرض تهكم لأنه منبئهم بذلك دون توقف على رضاهم .
وفي قوله بالأخسرين أعمالا إلى آخره تمليح إذ عدل فيه عن طريقة الخطاب بأن يقال لهم : هل ننبئكم بأنكم الأخسرون أعمالا ، إلى طريقة الغيبة بحيث يستشرفون إلى معرفة هؤلاء الأخسرين فما يروعهم إلا أن يعلموا أن المخبر عنهم هم أنفسهم .
والمقول لهم : المشركون ، توبيخا لهم وتنبيها على ما غفلوا عنه من خيبة سعيهم .
ونون المتكلم المشارك في قوله ننبئكم يجوز أن تكون نون العظمة راجعة إلى ذات الله على طريقة الالتفات في الحكاية . ومقتضى الظاهر أن يقال : هل ينبئكم الله ، أي سينبئكم ويجوز أن تكون للمتكلم المشارك راجعة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى الله تعالى لأنه ينبئهم بما يوحى إليه من ربه . ويجوز أن تكون راجعة للرسول وللمسلمين .
وقوله الذين ضل سعيهم بدل من الأخسرين أعمالا . وفي هذا الإطناب زيادة التشويق إلى معرفة هؤلاء الأخسرين حيث أجرى عليهم من الأوصاف ما يزيد السامع حرصا على معرفة الموصوفين بتلك الأوصاف والأحوال .
والضلال : خطأ السبيل . شبه سعيهم غير المثمر بالسير في طريق غير موصلة .
والسعي : المشي في شدة . وهو هنا مجاز في العمل كما تقدم عند قوله ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها في سورة الإسراء ، أي عملوا [ ص: 47 ] أعمالا تقربوا بها للأصنام يحسبونها مبلغة إياهم أغراضا وقد أخطئوها وهم يحسبون أنهم يفعلون خيرا .
وإسناد الضلال إلى سعيهم مجاز عقلي . والمعنى : الذين ضلوا في سعيهم .
وبين يحسبون ويحسنون جناس مصحف ، وقد مثل بهما في مبحث الجناس .