ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون   ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون    . 
اعتراض بين الجمل المقولة في قوله قال إني عبد الله  مع قوله وأن الله ربي وربكم  ، أي ذلك المذكور هو عيسى  ابن مريم لا كما تزعم النصارى  واليهود    . 
والإشارة لتمييز المذكور أكمل تمييز تعريضا بالرد على اليهود  والنصارى  جميعا ، إذ أنزله اليهود  إلى حضيض الجناة ، ورفعه النصارى  إلى مقام الإلهية  ، وكلاهما مخطئ مبطل ، أي ذلك هو عيسى  بالحق ،   [ ص: 102 ] وأما من تصفونه فليس هو عيسى  لأن استحضار الشخص بصفات غير صفاته تبديل لشخصيته ، فلما وصفوه بغير ما هو صفته جعلوا بمنزلة من لا يعرفون فاجتلب اسم الإشارة ليتميز الموصوف أكمل تمييز عند الذين يريدون أن يعرفوه حق معرفته . والمقصود بالتمييز تمييز صفاته الحقيقية عن الصفات الباطلة التي ألصقوها به لا تمييز ذاته عن الذوات إذ ليست ذاته بحاضرة وقت نزول الآية ، أي تلك حقيقة عيسى    - عليه السلام - وصفته . 
و ( قول الحق ) قرأه الجمهور بالرفع . وقرأه ابن عامر ،  وعاصم ،  ويعقوب  بالنصب ; فأما الرفع فهو خبر ثان عن اسم الإشارة أو وصف لعيسى  أو بدل منه ، وأما النصب فهو حال من اسم الإشارة أو من عيسى    . 
ومعنى ( قول الحق ) أن تلك الصفات التي سمعتم هي قول الحق ، أي مقول هو الحق وما خالفها باطل ، أو أن عيسى    - عليه السلام - هو قول الحق ، أي مقول الحق ، أي المكون من قول كن ، فيكون مصدرا بمعنى اسم المفعول كالخلق في قوله تعالى هذا خلق الله    . 
وجوز أبو علي الفارسي  أن يكون نصب ( قول الحق ) بتقدير : أحق قول الحق ، أي هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله منصوب بفعل محذوف وجوبا ، تقديره : أحق قول الحق . ويجوز أن يكون قول الحق  مصدرا نائبا عن فعله ، أي أقول قول الحق . وعلى هذين الوجهين يكون اعتراضا . 
ويجوز أن يكون قول مصدرا بمعنى الفاعل صفة لـ عيسى  أو حالا منه ، أي قائل الحق إذ قال إني عبد الله آتاني الكتاب  إلى قوله أبعث حيا    . 
و الذي فيه يمترون  صفة ثانية أو حال ثانية أو خبر ثان عن ( عيسى ابن مريم    ) على ما يناسب الوجوه المتقدمة . 
 [ ص: 103 ] والامتراء : الشك ، أي الذي فيه يشكون ، أي يعتقدون اعتقادا مبناه الشك والخطأ ، فإن عاد الموصول إلى القول فالامتراء فيه هو الامتراء في صدقه ، وإن عاد إلى عيسى  فالامتراء فيه هو الامتراء في صفاته بين رافع وخافض . 
وجملة ما كان لله أن يتخذ من ولد  تقرير لمعنى العبودية ، أو تفصيل لمضمون جملة الذي فيه يمترون  فتكون بمنزلة بدل البعض أو الاشتمال منها ، اكتفاء بإبطال قول النصارى  بأن عيسى  ابن الله  ، لأنه أهم بالإبطال ، إذ هو تقرير لعبودية عيسى  وتنزيه لله تعالى عما لا يليق بجلال الألوهية  من اتخاذ الولد ومن شائبة الشرك ، ولأنه القول الناشئ عن الغلو في التقديس ، فكان فيما ذكر من صفات المدح لعيسى  ما قد يقوي شبهتهم فيه بخلاف قول اليهود  فقد ظهر بطلانه بما عدد لعيسى  من صفات الخير . 
وصيغة ما كان لله أن يتخذ  تفيد انتفاء الولد عنه تعالى بأبلغ وجه لأن لام الجحود تفيد مبالغة النفي ، وأنه مما لا يلاقي وجود المنفي عنه ، ولأن في قوله أن يتخذ إشارة إلى أنه لو كان له ولد لكان هو خلقه ، واتخذه فلم يعد أن يكون من جملة مخلوقاته ، فإثبات البنوة له خلف من القول . 
وجملة إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون  بيان لجملة ما كان لله أن يتخذ من ولد  ، لإبطال شبهة النصارى  إذ جعلوا تكوين إنسان بأمر التكوين عن غير سبب معتاد دليلا على أن المكون ابن لله تعالى ، فأشارت الآية إلى أن هذا يقتضي أن تكون أصول الموجودات أبناء لله وإن كان ما يقتضيه لا يخرج عن الخضوع إلى أمر التكوين . 
				
						
						
