[ ص: 277 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=83nindex.php?page=treesubj&link=28991وما أعجلك عن قومك يا موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري
عطف على جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77أسر بعبادي ) الواقعة تفسيرا لفعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77أوحينا إلى موسى ) ، فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=83وما أعجلك عن قومك ) هو مما أوحى الله به إلى
موسى . والتقدير : وأن : ما أعجلك إلخ . وهو إشارة إلى ما وقع لهم أيام مناجاة
موسى في
الطور في الشهر الثالث لخروجهم من
مصر . وهذا الجزء من القصة لم يذكر في سورة الأعراف .
والإعجال : جعل الشيء عاجلا .
والاستفهام مستعمل في اللوم . والذي يؤخذ من كلام المفسرين وتشير إليه الآية : أن موسى تعجل مفارقة قومه ليحضر إلى المناجاة قبل الإبان الذي عينه الله له ، اجتهادا منه ورغبة في تلقي الشريعة حسبما وعده الله قبل أن يحيط
بنو إسرائيل بجبل الطور ، ولم يراع في ذلك إلا السبق إلى ما فيه خير لنفسه ولقومه ، فلامه الله على أن غفل عن مراعاة ما يحف بذلك من ابتعاده عن قومه قبل أن يوصيهم الله بالمحافظة على العهد ويحذرهم مكر من يتوسم فيه مكرا ، فكان في ذلك بمنزلة
أبي بكر حين دخل المسجد فوجد النبيء - صلى الله عليه وسلم - راكعا فركع ودب إلى الصف فقال له النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342147زادك الله حرصا ولا تعد .
وقريب من تصرف
موسى - عليه السلام - أخذ المجتهد بالدليل الذي له معارض دون علم بمعارضة ، وكان ذلك سبب افتتان قومه بصنع صنم يعبدونه .
[ ص: 278 ] وليس في كتاب التوراة ما يشير إلى أكثر من
nindex.php?page=treesubj&link=31927صنع بني إسرائيل العجل من ذهب اتخذوه إلها في مدة مغيب
موسى ، وأن سبب ذلك استبطاؤهم رجوع
موسى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28991_31927قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) .
وقوله هنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84هم أولاء على أثري ) يدل على أنهم كانوا سائرين خلفه وأنه سبقهم إلى المناجاة . واعتذر عن تعجله بأنه عجل إلى استجابة أمر الله مبالغة في إرضائه ، فقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85فإنا قد فتنا قومك من بعدك ) فيه ضرب من الملام على التعجل بأنه تسبب عليه حدوث فتنة في قومه ؛ ليعلمه أن لا يتجاوز ما وقت له ولو كان لرغبة في ازدياد من الخير .
والأثر - بفتحتين - : ما يتركه الماشي على الأرض من علامات قدم أو حافر أو خف . ويقال : إثر - بكسر الهمزة وسكون الثاء - وهما لغتان فصيحتان كما ذكر
ثعلب . فمعنى قولهم : جاء على إثره ، جاء مواليا له بقرب مجيئه ، شبه الجائي الموالي بالذي يمشي على علامات أقدام من مشى قبل أن يتغير ذلك الأثر بأقدام أخرى ، ووجه الشبه هو موالاته وأنه لم يسبقه غيره .
والمعنى : هم أولاء سائرون على مواقع أقدامي ، أي موالون لي في الوصول . ومنه قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342148وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ) ، تقديره : يحشرون سائرين على آثار قدمي .
وقرأ الجمهور ( على أثري ) بفتحتين . وقرأه
رويس عن
يعقوب بكسر الهمزة وسكون الثاء .
واستعمل تركيب ( هم أولاء ) مجردا عن حرف التنبيه في أول اسم الإشارة خلافا لقوله في سورة النساء (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=109ها أنتم هؤلاء جادلتم ) .
[ ص: 279 ] وتجريد اسم الإشارة من هاء التنبيه استعمال جائز وأقل منه استعماله بحرف التنبيه مع الضمير دون اسم الإشارة ، نحو قول
عبد بني الحسحاس :
ها أنا دون الحبيب يا وجع
وتقدم عند قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119ها أنتم أولاء تحبونهم ) في سورة آل عمران .
وإسناد الفتن إلى الله باعتبار أنه مقدره وخالق أسبابه البعيدة . وأما إسناده الحقيقي فهو الذي في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85وأضلهم السامري ) لأنه السبب المباشر لضلالهم المسبب لفتنتهم .
والسامري يظهر أن ياءه ياء نسبة ، وأن تعريفه باللام للعهد . فأما النسبة فأصلها في الكلام العربي أن تكون إلى القبائل والعشائر ؛
فالسامري نسب إلى اسم أبي قبيلة من
بني إسرائيل أو غيرهم يقارب اسمه لفظ سامر ، وقد كان من الأسماء القديمة ( شومر ) و ( شامر ) وهما يقاربان اسم سامر لا سيما مع التعريب .
وفي أنوار التنزيل :
السامري نسبة إلى قبيلة من
بني إسرائيل يقال لها :
( السامرة ) اهـ .
أخذنا من كلام
البيضاوي أن
السامري منسوب إلى قبيلة وأما قوله ( من
بني إسرائيل ) فليس بصحيح . لأن
السامرة أمة من سكان
فلسطين في جهة
نابلس في عهد الدولة الرومية ( البيزنطية ) وكانوا في
فلسطين قبل مصير
فلسطين بيد
بني إسرائيل ثم امتزجوا بالإسرائيليين واتبعوا شريعة
موسى - عليه السلام - مع تخالف في طريقتهم عن طريقة اليهود . فليس هو منسوبا إلى مدينة
السامرة القريبة من
نابلس لأن مدينة
السامرة بناها
الملك عمري ملك
مملكة إسرائيل سنة 925 قبل
المسيح ، وجعلها قصبة مملكته ، وسماها (
شوميرون ) لأنه بناها على جبل اشتراه من رجل اسمه (
شامر ) بوزنتين من الفضة ، فعربت
[ ص: 280 ] في العربية إلى
سامرة ، وكان اليهود يعدونها مدينة كفر وجور ، لأن
عمري بانيها وابنه (
آخاب ) قد أفسدوا ديانة التوراة وعبدا الأصنام الكنعانية . وأمر الله النبيء
إلياس بتوبيخهما والتثوير عليهما ، فلا جرم لم تكن موجودة زمن
موسى ولا كانت ناحيتها من أرض
بني إسرائيل زمن
موسى - عليه السلام - .
ويحتمل أن يكون
السامري نسبا إلى قرية اسمها
السامرة من قرى
مصر ، كما قال بعض أهل التفسير ، فيكون فتى قبطيا اندس في
بني إسرائيل لتعلقه بهم في
مصر أو لصناعة يصنعها لهم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : كان
السامري من
أهل ( كرمان ) ، وهذا يقرب أن يكون
السامري تعريب كرماني بتبديل بعض الحروف وذلك كثير في التعريب .
ويجوز أن تكون الياء من
السامري غير ياء نسب ، بل حرفا من اسم مثل : ياء علي وكرسي ، فيكون اسما أصليا أو منقولا في العبرانية ، وتكون اللام في أوله زائدة .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري والقرطبي خليطا من القصة : أن
السامري اسمه
موسى بن ظفر - بفتح الظاء المعجمة وفتح الفاء - وأنه ابن خالة
موسى - عليه السلام - أو ابن خاله ، وأنه كفر بدين
موسى بعد أن كان مؤمنا به ، وزاد بعضهم على بعض تفاصيلا تشمئز النفس منها .
واعلم أن
السامريين لقب لطائفة من اليهود يقال لهم أيضا
السامرة ، لهم مذهب خاص مخالف لمذهب جماعة اليهودية في أصول الدين ، فهم لا يعظمون
بيت المقدس وينكرون نبوءة أنبياء
بني إسرائيل عدا
موسى وهارون ويوشع ، وما كانت هذه الشذوذات فيهم إلا من بقايا تعاليم الإلحاد التي كانوا يتلقونها في مدينة
السامرة المبنية على التساهل والاستخفاف بأصول الدين والترخص في تعظيم آلهة
[ ص: 281 ] جيرتهم الكنعانيين أصهار ملوكهم ، ودام ذلك الشذوذ فيهم إلى زمن
عيسى - عليه السلام - . ففي إنجيل متى إصحاح 10 وفي إنجيل لوقا إصحاح 9 ما يقتضي أن بلدة
السامريين كانت منحرفة على أتباع
المسيح ، وأنه نهى
الحواريين عن الدخول إلى مدينتهم .
ووقعت في كتاب الخروج من التوراة في الإصحاح الثاني والثلاثين زلة كبرى ، إذ زعموا أن
هارون صنع العجل لهم لما قالوا له : اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأنا لا نعلم ماذا أصاب
موسى في الجبل فصنع لهم عجلا من ذهب . وأحسب أن هذا من آثار تلاشي التوراة الأصلية بعد الأسر البابلي ، وأن الذي أعاد كتبها لم يحسن تحرير هذه القصة . ومما نقطع به أن
هارون معصوم من ذلك لأنه رسول .
[ ص: 277 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=83nindex.php?page=treesubj&link=28991وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77أَسْرِ بِعِبَادِي ) الْوَاقِعَةِ تَفْسِيرًا لِفِعْلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ) ، فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=83وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ ) هُوَ مِمَّا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ إِلَى
مُوسَى . وَالتَّقْدِيرُ : وَأَنْ : مَا أَعْجَلَكَ إِلَخْ . وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ لَهُمْ أَيَّامَ مُنَاجَاةِ
مُوسَى فِي
الطَّوْرِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ
مِصْرَ . وَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الْقِصَّةِ لَمْ يُذْكَرْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَالْإِعْجَالُ : جَعْلُ الشَّيْءِ عَاجِلًا .
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللَّوْمِ . وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ وَتُشِيرُ إِلَيْهِ الْآيَةُ : أَنَّ مُوسَى تَعَجَّلَ مُفَارَقَةَ قَوْمِهِ لِيَحْضُرَ إِلَى الْمُنَاجَاةِ قَبْلَ الْإِبَّانِ الَّذِي عَيَّنَهُ اللَّهُ لَهُ ، اجْتِهَادًا مِنْهُ وَرَغْبَةً فِي تَلَقِّي الشَّرِيعَةِ حَسْبَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ بِجَبَلِ الطُّورِ ، وَلَمْ يُرَاعِ فِي ذَلِكَ إِلَّا السَّبْقَ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرٌ لِنَفْسِهِ وَلِقَوْمِهِ ، فَلَامَهُ اللَّهُ عَلَى أَنْ غَفَلَ عَنْ مُرَاعَاةِ مَا يَحُفُّ بِذَلِكَ مِنِ ابْتِعَادِهِ عَنْ قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُوصِيَهُمُ اللَّهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعَهْدِ وَيُحَذِّرَهُمْ مَكْرَ مَنْ يَتَوَسَّمُ فِيهِ مَكَرًا ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ
أَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعًا فَرَكَعَ وَدَبَّ إِلَى الصَّفِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342147زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ .
وَقَرِيبٌ مِنْ تَصَرُّفِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْذُ الْمُجْتَهِدِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي لَهُ مَعَارِضٌ دُونَ عِلْمٍ بِمُعَارَضَةٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ افْتِتَانِ قَوْمِهِ بِصُنْعِ صَنَمٍ يَعْبُدُونَهُ .
[ ص: 278 ] وَلَيْسَ فِي كِتَابِ التَّوْرَاةِ مَا يُشِيرُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=31927صُنْعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعِجْلَ مِنْ ذَهَبٍ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا فِي مُدَّةِ مَغِيبِ
مُوسَى ، وَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ اسْتِبْطَاؤُهُمْ رُجُوعَ
مُوسَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=91nindex.php?page=treesubj&link=28991_31927قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ) .
وَقَوْلُهُ هُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا سَائِرِينَ خَلْفَهُ وَأَنَّهُ سَبَقَهُمْ إِلَى الْمُنَاجَاةِ . وَاعْتَذَرَ عَنْ تَعَجُّلِهِ بِأَنَّهُ عَجِلَ إِلَى اسْتِجَابَةِ أَمْرِ اللَّهِ مُبَالَغَةً فِي إِرْضَائِهِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ) فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْمَلَامِ عَلَى التَّعَجُّلِ بِأَنَّهُ تَسَبَّبَ عَلَيْهِ حُدُوثُ فِتْنَةٍ فِي قَوْمِهِ ؛ لِيُعْلِمَهُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ مَا وُقِّتَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِرَغْبَةٍ فِي ازْدِيَادٍ مِنَ الْخَيْرِ .
وَالْأَثَرُ - بِفُتْحَتَيْنِ - : مَا يَتْرُكْهُ الْمَاشِي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَلَامَاتِ قَدَمٍ أَوْ حَافِرٍ أَوْ خُفٍّ . وَيُقَالُ : إِثْرٌ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ - وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ كَمَا ذَكَرَ
ثَعْلَبُ . فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ : جَاءَ عَلَى إِثْرِهِ ، جَاءَ مُوَالِيًا لَهُ بِقُرْبِ مَجِيئِهِ ، شَبَّهَ الْجَائِيَ الْمُوَالِيَ بِالَّذِي يَمْشِي عَلَى عَلَامَاتِ أَقْدَامِ مَنْ مَشَى قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ ذَلِكَ الْأَثَرُ بِأَقْدَامٍ أُخْرَى ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ مُوَالَاتُهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ .
وَالْمَعْنَى : هُمْ أُولَاءِ سَائِرُونَ عَلَى مَوَاقِعِ أَقْدَامِي ، أَيْ مُوَالُونَ لِي فِي الْوُصُولِ . وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342148وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ) ، تَقْدِيرُهُ : يُحْشَرُونَ سَائِرِينَ عَلَى آثَارِ قَدَمِي .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( عَلَى أَثَرَيْ ) بِفَتْحَتَيْنِ . وَقَرَأَهُ
رُوَيْسٌ عَنْ
يَعْقُوبَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ .
وَاسْتُعْمِلَ تَرْكِيبُ ( همْ أُولَاءِ ) مُجَرَّدًا عَنْ حَرْفِ التَّنْبِيهِ فِي أَوَّلِ اسْمِ الْإِشَارَةِ خِلَافًا لِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=109هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ ) .
[ ص: 279 ] وَتَجْرِيدُ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ هَاءِ التَّنْبِيهِ اسْتِعْمَالٌ جَائِزٌ وَأَقَلُّ مِنْهُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ مَعَ الضَّمِيرِ دُونَ اسْمِ الْإِشَارَةِ ، نَحْوَ قَوْلِ
عَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ :
هَا أَنَا دُونَ الْحَبِيبِ يَا وَجَعُ
وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ ) فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَإِسْنَادُ الْفِتَنِ إِلَى اللَّهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُقَدِّرُهُ وَخَالِقُ أَسْبَابِهِ الْبَعِيدَةِ . وَأَمَّا إِسْنَادُهُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ لِضَلَالِهِمُ الْمُسَبِّبِ لِفِتْنَتِهِمْ .
وَالسَّامِرِيُّ يَظْهَرُ أَنَّ يَاءَهُ يَاءُ نِسْبَةٍ ، وَأَنَّ تَعْرِيفَهُ بِاللَّامِ لِلْعَهْدِ . فَأَمَّا النِّسْبَةُ فَأَصْلُهَا فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ أَنْ تَكُونَ إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ ؛
فَالسَّامِرِيُّ نُسِبَ إِلَى اسْمِ أَبِي قَبِيلَةٍ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ غَيْرِهِمْ يُقَارِبُ اسْمُهُ لَفْظَ سَامِرَ ، وَقَدْ كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْقَدِيمَةِ ( شُومَرَ ) وَ ( شَامِرَ ) وَهُمَا يُقَارِبَانِ اسْمَ سَامِرَ لَا سِيَّمَا مَعَ التَّعْرِيبِ .
وَفِي أَنْوَارِ التَّنْزِيلِ :
السَّامِرِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى قَبِيلَةٍ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهَا :
( السَّامِرَةُ ) اهـ .
أَخَذْنَا مِنْ كَلَامِ
الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ
السَّامِرِيَّ مَنْسُوبٌ إِلَى قَبِيلَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ ( مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ) فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ . لِأَنَّ
السَّامِرَةَ أُمَّةٌ مِنْ سُكَّانِ
فِلَسْطِينَ فِي جِهَةِ
نَابُلُسَ فِي عَهْدِ الدَّوْلَةِ الرُّومِيَّةِ ( الْبِيزَنْطِيَّةِ ) وَكَانُوا فِي
فِلَسْطِينَ قَبْلَ مَصِيرِ
فِلَسْطِينَ بِيَدِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ امْتَزَجُوا بِالْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَاتَّبَعُوا شَرِيعَةَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ تَخَالُفٍ فِي طَرِيقَتِهِمْ عَنْ طَرِيقَةِ الْيَهُودِ . فَلَيْسَ هُوَ مَنْسُوبًا إِلَى مَدِينَةِ
السَّامِرَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ
نَابُلُسَ لِأَنَّ مَدِينَةَ
السَّامِرَةِ بَنَاهَا
الْمَلِكُ عَمْرِي مَلِكُ
مَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ سَنَةَ 925 قَبْلَ
الْمَسِيحِ ، وَجَعَلَهَا قَصَبَةَ مَمْلَكَتِهِ ، وَسَمَّاهَا (
شُومِيرُونَ ) لِأَنَّهُ بَنَاهَا عَلَى جَبَلٍ اشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ اسْمُهُ (
شَامِرَ ) بِوَزْنَتَيْنِ مِنَ الْفِضَّةِ ، فَعُرِّبَتْ
[ ص: 280 ] فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلَى
سَامِرَةَ ، وَكَانَ الْيَهُودُ يَعُدُّونَهَا مَدِينَةَ كُفْرٍ وَجَوْرٍ ، لِأَنَّ
عَمْرِي بَانِيهَا وَابْنَهُ (
آخَابَ ) قَدْ أَفْسَدُوا دِيَانَةَ التَّوْرَاةِ وَعَبَدَا الْأَصْنَامَ الْكَنْعَانِيَّةَ . وَأَمَرَ اللَّهُ النَّبِيءَ
إِلْيَاسَ بِتَوْبِيخِهِمَا وَالتَّثْوِيرِ عَلَيْهِمَا ، فَلَا جَرَمَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً زَمَنَ
مُوسَى وَلَا كَانَتْ نَاحِيَتُهَا مِنْ أَرْضِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ زَمَنَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
السَّامِرِيُّ نَسَبًا إِلَى قَرْيَةٍ اسْمُهَا
السَّامِرَةُ مِنْ قُرَى
مِصْرَ ، كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، فَيَكُونُ فَتًى قِبْطِيًّا انْدَسَّ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ لِتَعَلُّقِهِ بِهِمْ فِي
مِصْرَ أَوْ لِصِنَاعَةٍ يَصْنَعُهَا لَهُمْ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : كَانَ
السَّامِرِيُّ مِنْ
أَهْلِ ( كِرْمَانَ ) ، وَهَذَا يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ
السَّامِرِيُّ تَعْرِيبَ كِرْمَانِيٍّ بِتَبْدِيلِ بَعْضِ الْحُرُوفِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي التَّعْرِيبِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ مِنَ
السَّامِرِيِّ غَيْرَ يَاءِ نَسَبٍ ، بَلْ حَرْفًا مِنِ اسْمٍ مِثْلَ : يَاءُ عَلِيٍّ وَكُرْسِيٍّ ، فَيَكُونُ اسْمًا أَصْلِيًّا أَوْ مَنْقُولًا فِي الْعَبْرَانِيَّةِ ، وَتَكُونُ اللَّامُ فِي أَوَّلِهِ زَائِدَةً .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ خَلِيطًا مِنَ الْقِصَّةِ : أَنَّ
السَّامِرِيَّ اسْمُهُ
مُوسَى بْنُ ظَفَرٍ - بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ - وَأَنَّهُ ابْنُ خَالَةِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوِ ابْنُ خَالِهِ ، وَأَنَّهُ كَفَرَ بِدِينِ
مُوسَى بَعْدَ أَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِهِ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ تَفَاصِيلًا تَشْمَئِزُّ النَّفْسُ مِنْهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ
السَّامِرِيِّينَ لَقَبٌ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا
السَّامِرَةُ ، لَهُمْ مَذْهَبٌ خَاصٌّ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ جَمَاعَةِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ ، فَهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَيُنْكِرُونَ نُبُوءَةَ أَنْبِيَاءِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَدَا
مُوسَى وَهَارُونَ وَيُوشَعَ ، وَمَا كَانَتْ هَذِهِ الشُّذُوذَاتِ فِيهِمْ إِلَّا مِنْ بَقَايَا تَعَالِيمِ الْإِلْحَادِ الَّتِي كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهَا فِي مَدِينَةِ
السَّامِرَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّسَاهُلِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِأُصُولِ الدِّينِ وَالتَّرَخُّصِ فِي تَعْظِيمِ آلِهَةِ
[ ص: 281 ] جِيرَتِهِمُ الْكَنْعَانِيِّينَ أَصْهَارَ مُلُوكِهِمْ ، وَدَامَ ذَلِكَ الشُّذُوذُ فِيهِمْ إِلَى زَمَنِ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - . فَفِي إِنْجِيلِ مَتَّى إِصْحَاحٌ 10 وَفِي إِنْجِيلِ لُوقَا إِصْحَاحٌ 9 مَا يَقْتَضِي أَنَّ بَلْدَةَ
السَّامِرِيِّينَ كَانَتْ مُنْحَرِفَةً عَلَى أَتْبَاعِ
الْمَسِيحِ ، وَأَنَّهُ نَهَى
الْحَوَارِيِّينَ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى مَدِينَتِهِمْ .
وَوَقَعَتْ فِي كِتَابِ الْخُرُوجِ مِنَ التَّوْرَاةِ فِي الْإِصْحَاحِ الثَّانِي وَالثَلَاثِينَ زَلَّةٌ كُبْرَى ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ
هَارُونَ صَنَعَ الْعِجْلَ لَهُمْ لَمَّا قَالُوا لَهُ : اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَ
مُوسَى فِي الْجَبَلِ فَصَنَعَ لَهُمْ عِجْلًا مِنْ ذَهَبٍ . وَأَحْسَبُ أَنَّ هَذَا مِنْ آثَارِ تَلَاشِي التَّوْرَاةِ الْأَصْلِيَّةِ بَعْدَ الْأَسْرِ الْبَابِلِيِّ ، وَأَنَّ الَّذِي أَعَادَ كَتْبُهَا لَمْ يُحْسِنْ تَحْرِيرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ . وَمِمَّا نَقْطَعُ بِهِ أَنَّ
هَارُونَ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَسُولٌ .