[ ص: 291 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28991قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93ألا تتبعن أفعصيت أمري nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي
انتقل
موسى من محاورة قومه إلى محاورة أخيه ، فجملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=92قال يا هارون " تابعة لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=86قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا . ولجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=87قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا وقد وجدت مناسبة لحكاية خطابه
هارون بعد أن وقع الفصل بين أجزاء الحكاية بالجمل المعترضة التي منها جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=90ولقد قال لهم هارون من قبل إلخ . . . ، فهو استطراد في خلال الحكاية للإشعار بعذر
هارون كما تقدم . ويحتمل أن تكون عطفا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=90ولقد قال لهم هارون إلخ . . ، على احتمال كون تلك من حكاية كلام قوم
موسى .
nindex.php?page=treesubj&link=31954_31927_28751علم موسى أن هارون مخصوص من قومه بأنه لم يعبد العجل ، إذ لا يجوز عليه ذلك ؛ لأن الرسالة تقتضي العصمة ، فلذلك خصه بخطاب يناسب حاله بعد أن خاطب عموم الأمة بالخطاب الماضي ، وهذا خطاب التوبيخ والتهديد على بقائه بين عبدة الصنم . والاستفهام في قوله : ما منعك إنكاري ، أي لا مانع لك من اللحاق بي ؛ لأنه أقامه خليفة عنه فيهم ، فلما لم يمتثلوا أمره كان عليه أن يرد الخلافة إلى من استخلفه .
و " إذ رأيتهم " متعلق بـ " منعك " . و " أن " مصدرية ، و " لا " حرف نفي ، وهي مؤذنة بفعل محذوف يناسب معنى النفي . والمصدر الذي تقتضيه
[ ص: 292 ] " أن " هو مفعول الفعل المحذوف . وأما مفعول " منعك " فمحذوف يدل عليه " منعك " ويدل عليه المذكور . والتقدير : ما منعك أن تتبعني واضطرك إلى أن لا تتبعني ، فيكون في الكلام شبه احتباك . والمقصود تأكيد وتشديد التوبيخ بإنكار أن يكون
لهارون مانع حينئذ من اللحاق
بموسى ، ومقتض لعدم اللحاق
بموسى ، كما يقال : وجد السبب وانتفى المانع . ونظيره قوله تعالى : ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك في سورة الأعراف فارجع إليه .
والاستفهام في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93أفعصيت أمري مفرع على الإنكار . فهو إنكار ثان على مخالفة أمره ، مشوب بتقرير للتهديد .
وقوله في الجواب : "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94يا ابن أم " نداء لقصد الترقيق والاستشفاع . وهو مؤذن بأن
موسى حين وبخه أخذ بشعر لحية
هارون . ويشعر بأنه يجذبه إليه ليلطمه ، وقد صرح به في الأعراف بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150وأخذ برأس أخيه يجره إليه .
وقرأ الجمهور " يا ابن أم " بفتح الميم . وقرأ
ابن عامر ، وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وأبو بكر عن
عاصم ، وخلف بكسر الميم ، وأصله : يا ابن أمي ، فحذفت ياء المتكلم تخفيفا ، وهو حذف مخصوص بالنداء . والقراءتان وجهان في حذف ياء المتكلم المضاف إليها لفظ " أم " ولفظ " عم " في النداء .
وعطف الرأس على اللحية لأن أخذه من لحيته أشد ألما وأنكى في الإذلال .
وابن الأم : الأخ . وعدل عن يا أخي إلى " ابن أم " لأن ذكر الأم تذكير بأقوى أواصر الأخوة ، وهي آصرة الولادة من بطن واحد والرضاع من لبان واحد .
[ ص: 293 ] واللحية - بكسر اللام ، ويجوز فتح اللام في لغة الحجاز - : اسم للشعر النابت بالوجه على موضع اللحيين والذقن ، وقد أجمع القراء على كسر اللام من " لحيتي " . واعتذر
هارون عن بقائه بين القوم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94إني خشيت أن تقول فرقت ، أي أن تظن ذلك بي فتقوله لوما وتحميلا لتبعة الفرقة التي ظن أنها واقعة لا محالة إذا أظهر
هارون غضبه عليهم ؛ لأنه يستتبعه طائفة من الثابتين على الإيمان ويخالفهم الجمهور ، فيقع انشقاق بين القوم ، وربما اقتتلوا ، فرأى من المصلحة أن يظهر الرضى عن فعلهم ليهدأ الجمهور ، ويصبر المؤمنون اقتداء
بهارون . ورأى في سلوك هذه السياسة تحقيقا لقول
موسى له :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين في سورة الأعراف . وهو الذي أشار إليه هنا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94ولم ترقب قولي . فهو من جملة حكاية قول
موسى الذي قدره
هارون في ظنه . وهذا اجتهاد منه في سياسة الأمة ، إذ تعارضت عنده مصلحتان : مصلحة حفظ العقيدة ، ومصلحة حفظ الجامعة من الهرج ، وفي أثنائها حفظ الأنفس والأموال والأخوة بين الأمة ، فرجح الثانية . وإنما رجحها لأنه رآها أدوم ؛ فإن مصلحة حفظ العقيدة يستدرك فواتها الوقتي برجوع
موسى وإبطاله عبادة العجل حيث غيوا عكوفهم على العجل برجوع موسى . بخلاف مصلحة حفظ الأنفس والأموال واجتماع الكلمة ، إذا انثلمت عسر تداركها . وتضمن هذا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي . وكان اجتهاده ذلك مرجوحا ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=22291_7674حفظ الأصل الأصيل للشريعة أهم من حفظ الأصول المتفرعة عليه . لأن مصلحة صلاح الاعتقاد هي أم المصالح التي بها صلاح الاجتماع . كما بيناه في كتاب " أصول نظام الاجتماع الإسلامي " ؛ ولذلك لم يكن
موسى خافيا عليه أن
هارون كان من
[ ص: 294 ] واجبه أن يتركهم وضلالهم وأن يلتحق بأخيه مع علمه بما يفضي إلى ذلك من الاختلاف بينهم ، فإن حرمة الشريعة بحفظ أصولها وعدم التساهل فيها ، وبحرمة الشريعة يبقى نفوذها في الأمة والعمل بها كما بينته في كتاب " مقاصد الشريعة " .
وفي قوله تعالى : " بين بني " جناس ، وطرد وعكس . وهذا بعض ما اعتذر به
هارون ، وحكي عنه في سورة الأعراف أنه اعتذر بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .
[ ص: 291 ] nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28991قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِيَ nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِيَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
انْتَقَلَ
مُوسَى مِنْ مُحَاوَرَةِ قَوْمِهِ إِلَى مُحَاوَرَةِ أَخِيهِ ، فَجُمْلَةُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=92قَالَ يَا هَارُونُ " تَابِعَةٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=86قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا . وَلِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=87قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَقَدْ وُجِدَتْ مُنَاسِبَةٌ لِحِكَايَةِ خِطَابِهِ
هَارُونَ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْحِكَايَةِ بِالْجُمَلِ الْمُعْتَرِضَةِ الَّتِي مِنْهَا جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=90وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ إِلَخْ . . . ، فَهُوَ اسْتِطْرَادٌ فِي خِلَالِ الْحِكَايَةِ لِلْإِشْعَارِ بِعُذْرِ
هَارُونَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=90وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ إِلَخْ . . ، عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِ تِلْكَ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ قَوْمِ
مُوسَى .
nindex.php?page=treesubj&link=31954_31927_28751عَلِمَ مُوسَى أَنَّ هَارُونَ مَخْصُوصٌ مِنْ قَوْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدِ الْعِجْلَ ، إِذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ تَقْتَضِي الْعِصْمَةَ ، فَلِذَلِكَ خَصَّهُ بِخِطَابٍ يُنَاسِبُ حَالَهُ بَعْدَ أَنْ خَاطَبَ عُمُومَ الْأُمَّةِ بِالْخِطَابِ الْمَاضِي ، وَهَذَا خِطَابُ التَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى بَقَائِهِ بَيْنَ عَبَدَةِ الصَّنَمِ . وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ : مَا مَنَعَكَ إِنْكَارِيٌّ ، أَيْ لَا مَانِعَ لَكَ مِنَ اللِّحَاقِ بِي ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ خَلِيفَةً عَنْهُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَمْتَثِلُوا أَمْرَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْخِلَافَةَ إِلَى مَنِ اسْتَخْلَفَهُ .
وَ " إِذْ رَأَيْتَهُمْ " مُتَعَلِّقٌ بِـ " مَنَعَكَ " . وَ " أَنْ " مَصْدَرِيَّةٌ ، وَ " لَا " حَرْفُ نَفْيٍ ، وَهِيَ مُؤْذِنَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُنَاسِبُ مَعْنَى النَّفْيِ . وَالْمَصْدَرُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ
[ ص: 292 ] " أَنْ " هُوَ مَفْعُولُ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ . وَأَمَّا مَفْعُولُ " مَنَعَكَ " فَمَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ " مَنَعَكَ " وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ . وَالتَّقْدِيرُ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَتَّبِعَنِي وَاضْطَرَّكَ إِلَى أَنْ لَا تَتَّبِعَنِي ، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ شِبْهُ احْتِبَاكٍ . وَالْمَقْصُودُ تَأْكِيدُ وَتَشْدِيدُ التَّوْبِيخِ بِإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ
لِهَارُونَ مَانِعٌ حِينَئِذٍ مِنَ اللَّحَاقِ
بِمُوسَى ، وَمُقْتَضٍ لِعَدَمِ اللَّحَاقِ
بِمُوسَى ، كَمَا يُقَالُ : وُجِدَ السَّبَبُ وَانْتَفَى الْمَانِعُ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : مَا مَنَعَكَ أَنْ لَا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي مُفَرَّعٌ عَلَى الْإِنْكَارِ . فَهُوَ إِنْكَارٌ ثَانٍ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ، مَشُوبٌ بِتَقْرِيرٍ لِلتَّهْدِيدِ .
وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94يَا ابْنَ أُمَّ " نِدَاءٌ لِقَصْدِ التَّرْقِيقِ وَالِاسْتِشْفَاعِ . وَهُوَ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ
مُوسَى حِينَ وَبَّخَهُ أَخَذَ بِشَعْرِ لِحْيَةِ
هَارُونَ . وَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَجْذِبُهُ إِلَيْهِ لِيَلْطِمَهُ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَعْرَافِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " يَا ابْنَ أُمَّ " بِفَتْحِ الْمِيمِ . وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ ، وَحَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ ، وَخَلَفٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَأَصْلُهُ : يَا ابْنَ أُمِّي ، فَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا ، وَهُوَ حَذْفٌ مَخْصُوصٌ بِالنِّدَاءِ . وَالْقِرَاءَتَانِ وَجْهَانِ فِي حَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا لَفْظُ " أُمَّ " وَلَفْظُ " عَمِّ " فِي النِّدَاءِ .
وَعُطِفَ الرَّأْسُ عَلَى اللِّحْيَةِ لِأَنَّ أَخْذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ أَشَدُّ أَلَمًا وَأَنْكَى فِي الْإِذْلَالِ .
وَابْنُ الْأُمِّ : الْأَخُ . وَعَدَلَ عَنْ يَا أَخِي إِلَى " ابْنَ أُمَّ " لِأَنَّ ذِكْرَ الْأُمِّ تَذْكِيرٌ بِأَقْوَى أَوَاصِرِ الْأُخُوَّةِ ، وَهِيَ آصِرَةُ الْوِلَادَةِ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ وَالرِّضَاعِ مِنْ لِبَانٍ وَاحِدٍ .
[ ص: 293 ] وَاللِّحْيَةُ - بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَيَجُوزُ فَتْحُ اللَّامِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ - : اسْمٌ لِلشَّعْرِ النَّابِتِ بِالْوَجْهِ عَلَى مَوْضِعِ اللِّحْيَيْنِ وَالذَّقْنِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى كَسْرِ اللَّامِ مِنْ " لِحْيَتِي " . وَاعْتَذَرَ
هَارُونُ عَنْ بَقَائِهِ بَيْنَ الْقَوْمِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ ، أَيْ أَنْ تَظُنَّ ذَلِكَ بِي فَتَقَوْلَهَ لَوْمًا وَتَحْمِيلًا لِتَبِعَةِ الْفُرْقَةِ الَّتِي ظَنَّ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ إِذَا أَظْهَرَ
هَارُونُ غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَتْبِعُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الثَّابِتِينَ عَلَى الْإِيمَانِ وَيُخَالِفُهُمُ الْجُمْهُورُ ، فَيَقَعُ انْشِقَاقٌ بَيْنَ الْقَوْمِ ، وَرُبَّمَا اقْتَتَلُوا ، فَرَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنْ يُظْهِرَ الرِّضَى عَنْ فِعْلِهِمْ لِيَهْدَأَ الْجُمْهُورُ ، وَيَصْبِرَ الْمُؤْمِنُونَ اقْتِدَاءً
بِهَارُونَ . وَرَأَى فِي سُلُوكِ هَذِهِ السِّيَاسَةِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِ
مُوسَى لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ . وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي . فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ حِكَايَةِ قَوْلِ
مُوسَى الَّذِي قَدَّرَهُ
هَارُونُ فِي ظَنِّهِ . وَهَذَا اجْتِهَادٌ مِنْهُ فِي سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ ، إِذْ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ مَصْلَحَتَانِ : مَصْلَحَةُ حِفْظِ الْعَقِيدَةِ ، وَمَصْلَحَةُ حِفْظِ الْجَامِعَةِ مِنَ الْهَرَجِ ، وَفِي أَثْنَائِهَا حِفْظُ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ، فَرَجَّحَ الثَّانِيَةَ . وَإِنَّمَا رَجَّحَهَا لِأَنَّهُ رَآهَا أَدْوَمَ ؛ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ حِفْظِ الْعَقِيدَةِ يُسْتَدْرَكُ فَوَاتُهَا الْوَقْتِيُّ بِرُجُوعِ
مُوسَى وَإِبْطَالِهِ عِبَادَةَ الْعِجْلِ حَيْثُ غَيَّوْا عُكُوفَهَمْ عَلَى الْعِجْلِ بِرُجُوعِ مُوسَى . بِخِلَافِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ ، إِذَا انْثَلَمَتْ عَسُرَ تَدَارُكُهَا . وَتَضَمَّنَ هَذَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي . وَكَانَ اجْتِهَادُهُ ذَلِكَ مَرْجُوحًا ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22291_7674حِفْظَ الْأَصْلِ الْأَصِيلِ لِلشَّرِيعَةِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ الْأُصُولِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَيْهِ . لِأَنَّ مَصْلَحَةَ صَلَاحِ الِاعْتِقَادِ هِيَ أُمُّ الْمَصَالِحِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ الِاجْتِمَاعِ . كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ " أُصُولِ نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّ " ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ
مُوسَى خَافِيًا عَلَيْهِ أَنَّ
هَارُونَ كَانَ مِنْ
[ ص: 294 ] وَاجِبِهِ أَنْ يَتْرُكَهُمْ وَضَلَالَهُمْ وَأَنْ يَلْتَحِقَ بِأَخِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الشَّرِيعَةِ بِحِفْظِ أُصُولِهَا وَعَدَمِ التَّسَاهُلِ فِيهَا ، وَبِحُرْمَةِ الشَّرِيعَةِ يَبْقَى نُفُوذُهَا فِي الْأُمَّةِ وَالْعَمَلُ بِهَا كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ " مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ " .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " بَيْنَ بَنِي " جِنَاسٌ ، وَطَرْدٌ وَعَكْسٌ . وَهَذَا بَعْضُ مَا اعْتَذَرَ بِهِ
هَارُونُ ، وَحُكِيَ عَنْهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَنَّهُ اعْتَذَرَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي .