وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها  لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى  ذكر الأهل هنا مقابل لذكر الأزواج في قوله : إلى ما متعنا به أزواجا منهم  فإن من أهل الرجل أزواجه ، أي متعتك ومتعة أهلك الصلاة ، فلا تلفتوا إلى زخارف الدنيا . وأهل الرجل يكونون أمثل من ينتمون إليه . 
ومن آثار العمل بهذه الآية في السنة ما في صحيح  البخاري    : أن فاطمة    - رضي الله عنها - بلغها أن سبيا جيء به إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فأتت تشتكي إليه ما تلقى من الرحى تسأله خادما من السبي فلم تجده . فأخبرت عائشة  بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءها النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذت وعلي  مضجعهما ، فجلس في جانب الفراش وقال لها ولعلي    : ألا أخبركما بخير لكما مما سألتما : تسبحان وتحمدان وتكبران دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، فذلك خير لكما من خادم   . وأمر الله رسوله بما هو أعظم مما يأمر به أهله وهو أن يصطبر على الصلاة . والاصطبار : الانحباس ، مطاوع صبره : إذا حبسه ، وهو مستعمل مجازا في إكثاره من الصلاة في النوافل . قال تعالى : يا أيها   [ ص: 343 ] المزمل قم الليل إلا قليلا  الآيات ، وقال : ومن الليل فتهجد به نافلة لك    . وجملة " لا نسألك رزقا    " معترضة بين التي قبلها وبين جملة " نحن نرزقك    " جعلت تمهيدا لهاته الأخيرة . 
والسؤال : الطلب التكليفي ، أي ما كلفناك إلا بالعبادة ؛ لأن العبادة شكر الله على ما تفضل به على الخلق ، ولا يطلب الله منهم جزاء آخر . وهذا إبطال لما تعوده الناس من دفع الجبايات والخراج للملوك وقادة القبائل والجيوش . وفي هذا المعنى قوله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين  ، فجملة " نحن نرزقك    " مبينة لجملة ورزق ربك خير وأبقى    . والمعنى : أن رزق ربك خير وهو مسوق إليك . والمقصود من هذا الخطاب ابتداء هو النبيء - صلى الله عليه وسلم - ويشمل أهله والمؤمنين ؛ لأن المعلل به هذه الجملة مشترك في حكمه جميع المسلمين . وجملة " والعاقبة للتقوى    " عطف على جملة " لا نسألك رزقا    " المعلل بها أمره بالاصطبار للصلاة ، أي إنا سألناك التقوى والعاقبة . وحقيقة العاقبة : أنها كل ما يعقب أمرا ويقع في آخره من خير وشر ، إلا أنها غلب استعمالها في أمور الخير . فالمعنى : أن التقوى تجيء في نهايتها عواقب خير . واللام للملك تحقيقا لإرادة الخير من العاقبة ؛ لأن شأن لام الملك أن تدل على نوال الأمر المرغوب ، وإنما يطرد ذلك في عاقبة خير الآخرة . وقد تكون العاقبة في خير الدنيا أيضا للتقوى . 
 [ ص: 344 ] وهذه الجملة تذييل لما فيها من معنى العموم . أي لا تكون العاقبة إلا للتقوى . فهذه الجملة أرسلت مجرى المثل . 
				
						
						
