[ ص: 37 ] أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون
" أم " هذه منقطعة عاطفة الجملة على الجملة عطف إضراب انتقالي هو انتقال من إثبات صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحجية دلالة القرآن إلى إبطال الإشراك ، انتقالا من بقية الغرض السابق الذي تهيأ السامع للانتقال منه بمقتضى التخلص الذي في قوله تعالى : وله من في السماوات والأرض ومن عنده كما تقدم ، إلى التمحض لغرض إبطال الإشراك وإبطال تعدد الآلهة . وهذا الانتقال وقع اعتراضا بين جملة يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجملة لا يسأل عما يفعل وليس إضراب الانتقال بمقتض عدم الرجوع إلى الغرض المنتقل إليه ، و " أم " تؤذن بأن الكلام بعدها مسوق مساق الاستفهام وهو استفهام إنكاري ، أنكر عليهم اتخاذهم آلهة .
وضمير " اتخذوا " عائد إلى المشركين المتبادرين من المقام في مثل هذه الضمائر . وله نظائر كثيرة في القرآن . ويجوز جعله التفاتا عن ضمير ولكم الويل مما تصفون ، ويجوز أن يكون متناسقا مع ضمائر بل قالوا أضغاث أحلام وما بعده .
ووصف الآلهة بأنها من الأرض تهكم بالمشركين ، وإظهار لأفن رأيهم ، أي جعلوا لأنفسهم آلهة من عالم الأرض أو مأخوذة من أجزاء الأرض من حجارة أو خشب - تعريضا بأن ما كان مثل ذلك لا يستحق أن يكون معبودا ، كما قال إبراهيم - عليه السلام - " أتعبدون ما تنحتون " في الصافات .
وذكر الأرض هنا مقابلة لقوله تعالى : " ومن عنده " ؛ لأن المراد أهل السماء ، وجملة " هم ينشرون " صفة ثانية لـ " آلهة " ، [ ص: 38 ] واقترانها بضمير الفصل يفيد التخصيص أن لا ينشر غير تلك الآلهة .
والمراد : إنشار الأموات ، أي بعثهم . وهذا مسوق للتهكم وإدماج لإثبات البعث بطريقة سوق غيره المسمى بتجاهل المعارف ، إذ أبرز تكذيبهم بالبعث الذي أخبرهم الله على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - في صورة تكذيبهم استطاعة الله ذلك وعجزه عنه ، أي أن الأولى بالقدرة على البعث شركاؤهم ، فكان وقوع البعث أمر لا ينبغي النزاع فيه ، فإن نازع فيه المنازعون فإنما ينازعون في نسبته إلى الله ، ويرومون بذلك نسبته إلى شركائهم فأنكرت عليهم هذه النسبة على هذه الطريقة المفعمة بالنكت ، والمشركون لم يدعوا لآلهتهم أنها تبعث الموتى ، ولا هم معترفون بوقوع البعث ، ولكن نزلوا منزلة من يزعم ذلك إبداعا في الإلزام . ونظيره قوله تعالى في سورة النحل في ذكر الآلهة أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون .