خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون
جملة خلق الإنسان من عجل معترضة بين جملة وإذا رآك الذين كفروا وبين جملة سأريكم آياتي ، جعلت مقدمة لجملة سأريكم آياتي . أما جملة سأريكم آياتي فهي معترضة بين جملة وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا وبين جملة ويقولون متى هذا الوعد ؛ لأن قوله تعالى : وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا يثير في نفوس المسلمين تساؤلا عن مدى إمهال المشركين ، فكان قوله تعالى : سأريكم آياتي فلا تستعجلون استئنافا بيانيا جاء معترضا بين الجمل التي تحكي أقوال المشركين وما تفرع عليها . فالخطاب إلى المسلمين الذين كانوا يستبطئون حلول الوعيد الذي توعد الله تعالى به المكذبين .
ومناسبة موقع الجملتين أن ذكر استهزاء المشركين بالنبيء - عليه الصلاة والسلام - يهيج حنق المسلمين عليهم فيودوا أن ينزل بالمكذبين الوعيد عاجلا ، فخوطبوا بالتريث وأن لا يستعجلوا ربهم ؛ لأنه أعلم بمقتضى الحكمة في توقيت حلول الوعيد وما في تأخير نزوله من المصالح للدين .
[ ص: 68 ] وأهمها مصلحة إمهال القوم حتى يدخل منهم كثير في الإسلام . والوجه أن تكون الجملة الأولى تمهيدا للثانية .
والعجل : السرعة ، وخلق الإنسان منه استعارة لتمكن هذا الوصف من جبلة الإنسانية .
شبهت شدة ملازمة الوصف بكون مادة التكوين موصوفة ؛ لأن ضعف صفة الصبر في الإنسان من مقتضى التفكير في المحبة والكراهية . فإذا فكر العقل في شيء محبوب استعجل حصوله بداعي المحبة ، وإذا فكر في شيء مكروه استعجل إزالته بداعي الكراهية ، ولا تخلو أحوال الإنسان عن هذين ، فلا جرم كان الإنسان عجولا بالطبع فكأنه مخلوق من العجلة ، ونحوه قوله تعالى : وكان الإنسان عجولا ، وقوله تعالى : إن الإنسان خلق هلوعا . ثم إن أفراد الناس متفاوتون في هذا الاستعجال على حسب تفاوتهم في غور النظر والكفر ، ولكنهم مع ذلك لا يخلون عنه . وأما من فسر العجل بالطين وزعم أنها كلمة حميرية فقد أبعد وما أسعد .
وجملة سأريكم آياتي هي المقصود من الاعتراض . وهي مستأنفة ، والمعنى : وعد بأنهم سيرون آيات الله في نصر الدين ، وذلك بما حصل يوم بدر من النصر وهلاك أئمة الشرك وما حصل بعده من أيام الإسلام التي كان النصر فيها عاقبة المسلمين .
وتفرع على هذا الوعد نهي عن طلب التعجيل ، أي عليكم أن تكلوا ذلك إلى ما يوقته الله ويؤجله ، ولكل أجل كتاب . فهو نهي عن التوغل في هذه الصفة وعن لوازم ذلك التي تفضي إلى الشك في الوعيد ، وحذفت ياء المتكلم من كلمة " تستعجلون " تخفيفا مع بقاء حركتها ، فإذا وقف عليه حذفت الحركة من النون .