فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد   
تفرع ذكر جملة ( فكأين من قرية    ) على جملة فكيف كان نكير  فعطفت عليها بفاء التفريع ، والتعقيب في الذكر لا في الوجود ، لأن الإملاء لكثير من القرى ثم أخذها بعد الإملاء لها يبين كيفية نكير الله وغضبه على القرى الظالمة  ويفسره ، فناسب أن يذكر التفسير عقب المفسر بحرف التفريع . ثم هو يفيد بما ذكر فيه من اسم كثرة العدد شمولا للأقوام الذين ذكروا من قبل في قوله فقد كذبت قبلهم قوم نوح  إلى آخره فيكون لتلك الجملة بمنزلة التذييل . و ( كأين ) اسم دال على الإخبار عن عدد كثير . وموضعها من الجملة محل رفع بالابتداء وما بعده خبر . والتقدير : كثير من القرى أهلكناها ، وجملة ( أهلكناها ) الخبر : ويجوز كونها في محل نصب على المفعولية بفعل محذوف يفسره ( أهلكناها ) . والتقدير : أهلكنا كثيرا من القرى أهلكناها ، والأحسن الوجه الأول لأنه يحقق الصدارة التي تستحقها ( كأين ) بدون حاجة إلى ذكر الاكتفاء بالصدارة الصورية . وعلى الوجه الأول فجملة ( أهلكناها ) في محل جر صفة لـ ( قرية ) ، وجملة ( فهي خاوية    ) معطوفة على جملة ( أهلكناها ) وقد تقدم نظيره في قوله ( وكأين من نبي    ) في سورة آل عمران . 
 [ ص: 286 ] وأهل المدن الذين أهلكهم الله لظلمهم كثيرون ، منهم من ذكر في القرآن مثل عاد  وثمود ،  ومنهم من لم يذكر مثل طسم  وجديس  وآثارهم باقية في اليمامة    . ومعنى ( خاوية على عروشها    ) أنها لم يبق فيها سقف ولا جدار . وجملة ( على عروشها    ) خبر ثان عن ضمير ( فهي ) . والمعنى : ساقطة على عروشها ، أي ساقطة جدرانها فوق سقفها . 
والعروش : جمع عرش ، وهو السقف . وقد تقدم تفسير نظير هذه الآية عند قوله تعالى أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها  في سورة البقرة . 
والمعطلة : التي عطل الانتفاع بها مع صلاحها للانتفاع ، أي هي نابعة بالماء وحولها وسائل السقي ولكنها لا يستقى منها لأن أهلها هلكوا . وقد وجد المسلمون في مسيرهم إلى تبوك  بئار في ديار ثمود   ونهاهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب منها إلا بئرا واحدة التي شربت منها ناقة صالح    " - عليه السلام - " . 
والقصر : المسكن المبني بالحجارة المجعول طباقا . 
والمشيد : المبني بالشيد - بكسر الشين وسكون الياء - وهو الجص ، وإنما يبنى به البناء من الحجر لأن الجص أشد من التراب فبشدة مسكه يطول بقاء الحجر الذي رص به . 
والقصور المشيدة - وهي المخلفة عن القرى التي أهلكها الله - كثيرة مثل : قصر غمدان في اليمن ،  وقصور ثمود  في الحجر ،  وقصور الفراعنة في صعيد مصر    . وفي تفسير القرطبي  يقال : أن هذه البئر وهذا القصر بحضرموت  معروفان . ويقال : إنها بئر الرس وكانت في عدن  وتسمى " حضور " بفتح الحاء وكان أهلها بقية من المؤمنين بصالح  الرسول " - عليه السلام - " وكان صالح  معهم ، وأنهم آل أمرهم   [ ص: 287 ] إلى عبادة صنم وأن الله بعث إليهم حنظلة بن صفوان  رسولا فنهاهم عن عبادة الصنم فقتلوه فغارت البئر وهلكوا عطشا . يريد أن هذه القرية واحدة من القرى المذكورة في هذه الآية وإلا فإن كلمة ( كأين ) تنافي إرادة قرية معينة . 
وقرأ الجمهور ( أهلكناها ) بنون العظمة وقرأه أبو عمرو  ويعقوب    ( أهلكتها ) بتاء المتكلم . 
				
						
						
