يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون
لما كان خطاب المشركين فاتحا لهذه السورة وشاغلا لمعظمها عدا ما وقع اعتراضا في خلال ذلك . فقد خوطب المشركون بـ ( يا أيها الناس ) أربع مرات ، فعند استيفاء ما سيق إلى المشركين من الحجج والقوارع والنداء على مساوي أعمالهم . ختمت السورة بالإقبال على خطاب المؤمنين بما يصلح أعمالهم وينوه بشأنهم .
[ ص: 346 ] وفي هذا الترتيب إيماء إلى أن الاشتغال بإصلاح الاعتقاد مقدم على الاشتغال بإصلاح الأعمال .
والمراد بالركوع والسجود الصلوات . وتخصيصهما بالذكر من بين أعمال الصلاة لأنهما أعظم أركان الصلاة إذ بهما إظهار الخضوع والعبودية . وتخصيص الصلاة بالذكر قبل الأمر ببقية العبادات المشمولة لقوله واعبدوا ربكم تنبيه على أن الصلاة عماد الدين .
والمراد بالعبادة : ما أمر الله الناس أن يتعبدوا به مثل الصيام والحج .
وقوله وافعلوا الخير أمر بإسداء الخير إلى الناس من الزكاة ، وحسن المعاملة : كصلة الرحم ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وسائر مكارم الأخلاق ، وهذا مجمل بينته وبينت مراتبه أدلة أخرى . والرجاء المستفاد من لعلكم تفلحون مستعمل في معنى تقريب الفلاح لهم إذا بلغوا بأعمالهم الحد الموجب للفلاح فيما حدد الله تعالى . فهذه حقيقة الرجاء . وأما ما يستلزمه الرجاء من تردد الراجي في حصول المرجو فذلك لا يخطر بالبال لقيام الأدلة التي تحيل الشك على الله تعالى .
واعلم أن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا إلى لعلكم تفلحون اختلف الأئمة في كون ذلك موضع سجدة من سجود القرآن . والذي ذهب إليه الجمهور أن ليس ذلك موضع سجدة وهو قول مالك في الموطأ والمدونة ، وأبي حنيفة ، . والثوري
وذهب جمع غفير إلى أن ذلك موضع سجدة ، وروى الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وفقهاء المدينة ، ونسبه ابن العربي إلى مالك [ ص: 347 ] في رواية المدنيين من أصحابه عنه . وقال في الكافي : ومن ابن عبد البر أهل المدينة قديما وحديثا من يرى السجود في الثانية من الحج قال : وقد رواه ابن وهب عن مالك . وتحصيل مذهبه أنها إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء ، فلم ينسبه إلى مالك إلا من رواية ابن وهب ، وكذلك ابن رشد في المقدمات : فما نسبه ابن العربي إلى المدنيين من أصحاب مالك غريب .
وروى الترمذي عن عن مشرح ابن لهيعة قال : قلت : يا رسول الله فضلت سورة الحج لأن فيها سجدتين ؟ قال : نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما عقبة بن عامر اهـ . قال عن أبو عيسى : هذا حديث إسناده ليس بالقوي اهـ ، أي من أجل أن ضعفه ابن لهيعة . وقال يحيى بن معين مسلم : تركه وكيع ، والقطان ، . وقال وابن مهدي أحمد : احترقت كتبه فمن روى عنه قديما أي قبل احتراق كتبه قبل .