تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون
تذييل بالتحذير من مخالفة ما شرع إليه من أحكام الصيام .
فالإشارة إلى ما تقدم ، والإخبار عنها بالحدود عين أن المشار إليه هو التحديدات المشتمل عليها الكلام السابق ، وهو في قوله : حتى يتبين لكم الخيط وقوله : إلى الليل وأنتم عاكفون من كل ما فيه تحديد يفضي تجاوزه إلى معصية ، فلا يخطر بالبال دخول أحكام الإباحة في الإشارة مثل : ( أحل لكم ) ومثل : فالآن باشروهن .
والحدود والحواجز ونهايات الأشياء التي إذا تجاوزها المرء دخل في شيء آخر ، وشبهت الأحكام بالحدود لأن تجاوزها يخرج من حل إلى منع ، وفي الحديث وستأتي زيادة بيان له في قوله تعالى : وحد حدودا فلا تعتدوها تلك حدود الله فلا تعتدوها .
وقوله : فلا تقربوها نهى عن مقاربتها الموقعة في الخروج منها على طريق الكناية ؛ لأن القرب من الحد يستلزم قصد الخروج غالبا كما قال تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ولهذا قال تعالى في آيات أخرى : تلك حدود الله فلا تعتدوها كما سيأتي هنالك ، وفي معنى الآية حديث . من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه
والقول في : كذلك يبين الله آياته للناس تقدم نظيره في قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي : كما بين أحكام الصيام يبين آياته للناس ، أي : جميع آياته لجميع الناس ، والمقصد أن هذا شأن الله في إيضاح أحكامه لئلا يلتبس شيء منها على الناس ، وقوله : ( لعلهم يتقون ) أي : إرادة لاتقائهم الوقوع في المخالفة ، لأنه لو لم يبين لهم الأحكام لما اهتدوا لطريق الامتثال ، أو لعلهم يلتبسون بغاية الامتثال والإتيان بالمأمورات على وجهها ، فتحصل لهم صفة التقوى الشرعية ، إذ لو لم يبين الله لهم لأتوا بعبادات غير مستكملة لما أراد الله منها ، وهم وإن كانوا معذورين عند عدم البيان وغير مؤاخذين بإثم التقصير [ ص: 187 ] إلا أنهم لا يبلغون صفة التقوى ؛ أي : كمال مصادفة مراد الله تعالى ، فلعل يتقون على هذا منزل منزلة اللازم لا يقدر له مفعول ، مثل : هل يستوي الذين يعلمون وهو على الوجه الأول محذوف المفعول للقرينة .