أجريت هذه الصلة وصفا ثانيا لـ ( الحي الذي لا يموت ) لاقتضائها سعة العلم وسعة القدرة وعظيم المجد ، فصاحبها حقيق بأن يتوكل عليه ويفوض أمر الجزاء إليه . وهذا تخلص إلى العود إلى الاستدلال على تصرف الله تعالى بالخلق .
وتقدم الكلام على في سورة البقرة ، وعلى الاستواء في سورة الأعراف . خلق السماوات والأرض في ستة أيام
و ( الرحمن ) خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الرحمن . وهذا من حذف المسند إليه الغالب في الاستعمال عندما تتقدم أخبار أو أوصاف لصاحبها ، ثم يراد الإخبار عنه بما هو إفصاح عن وصف جامع لما مضى أو أهم في الغرض مما تقدمه ، فإن وصف الرحمن أهم في الغرض المسوق له الكلام وهو الأمر بالتوكل عليه ، فإنه وصف يقتضي أنه يدبر أمور من توكل عليه بقوي الإسعاف .
[ ص: 61 ] وفرع على وصفه بـ ( الرحمن ) قوله : ( فاسأل به خبيرا ) للدلالة على أن في رحمته من العظمة والشمول ما لا تفي فيه العبارة فيعدل عن زيادة التوصيف إلى الحوالة على العليم بتصاريف رحمته مجرب لها متلق أحاديثها ممن علمها وجربها .
وتنكير ( خبيرا ) للدلالة على العموم ، فلا يظن خبيرا معينا ؛ لأن النكرة إذا تعلق بها فعل اقتضت عموما بدليل أي خبير سألته أعلمك .
وهذا يجري مجرى المثل ، ولعله من مبتكرات القرآن نظير قول العرب : ( على الخبير سقطت ) يقولها العارف بالشيء إذا سئل عنه . والمثلان وإن تساويا في عدد الحروف المنطوق بها فالمثل القرآني أفصح لسلامته من ثقل تلاقي القاف والطاء والتاء في ( سقطت ) . وهو أيضا أشرف لسلامته من معنى السقوط ، وهو أبلغ معنى لما فيه من عموم كل خبير ، بخلاف قولهم : على الخبير سقطت ، لأنها إنما يقولها الواحد المعين . وقريب من معنى ( فاسأل به خبيرا ) قول النابغة :
هلا سألت بني ذبيان ما حسبـي إذا الدخان تغشى الأشمط البرما
إلى قوله :يخبرك ذو عرضهم عني وعالمهم وليس جاهل شيء مثل من علما
فإن تسألوني بالنساء فإنني خبير بأدواء النساء طبيب