nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73nindex.php?page=treesubj&link=28996_28895_28896والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا .
أريد تمييز المؤمنين بمخالفة حالة هي من حالات المشركين ، وتلك هي حالة سماعهم دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما تشتمل عليه من آيات القرآن وطلب النظر في دلائل الوحدانية ، فلذلك جيء بالصلة لتحصيل الثناء عليهم مع التعريض بتفظيع حال المشركين ، فإن المشركين إذا ذكروا بآيات الله خروا صما وعميانا كحال من لا يحب أن يرى شيئا فيجعل وجهه على الأرض ، فاستعير الخرور لشدة الكراهية والتباعد بحيث إن حالهم عند سماع القرآن كحال الذي يخر إلى الأرض ؛ لئلا يرى ما يكره بحيث لم يبق له شيء من التقوم والنهوض ، فتلك حالة هي غاية في نفي إمكان القبول .
ومنه استعارة القعود للتخلف عن القتال ، وفي عكس ذلك يستعار الإقبال والتلقي والقيام للاهتمام بالأمر والعناية به .
ويجوز أن يكون الخرور واقعا منهم أو من بعضهم حقيقة ؛ لأنهم يكونون جلوسا في مجتمعاتهم ونواديهم فإذا دعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام طأطئوا رءوسهم وقربوها من الأرض ؛ لأن ذلك للقاعد يقوم مقام الفرار ، أو ستر الوجه كقول أعرابي يهجو قوما من
طيئ ، أنشده
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد :
إذا مـا قـيل أيهــم لأي تشابهت المناكب والرءوس
وقريب من هذا المعنى قوله تعالى في سورة نوح : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=7واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) . وتقدم الخرور الحقيقي في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107يخرون للأذقان سجدا ) في سورة الإسراء ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فخر عليهم السقف من فوقهم ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143وخر موسى صعقا ) في سورة الأعراف .
[ ص: 81 ] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73صما وعميانا ) حالان من ضمير ( يخروا ) ، مراد بهما التشبيه بحذف حرف التشبيه ، أي : يخرون كالصم والعميان في عدم الانتفاع بالمسموع من الآيات والمبصر منها مما يذكرون به . فالنفي على هذا منصب إلى الفعل وإلى قيده ، وهو استعمال كثير في الكلام . وهذا الوجه أوجه .
ويجوز أن يكون توجه النفي إلى القيد كما هو استعمال غالب وهو مختار صاحب الكشاف ، فالمعنى : لم يخروا عليها في حالة كالصمم والعمى ، ولكنهم يخرون عليها سامعين مبصرين فيكون الخرور مستعارا للحرص على العمل بشراشر القلب ، كما يقال : أكب على كذا ، أي : صرف جهده فيه ، فيكون التعريض بالمشركين في أنهم يصمون ويعمون عن الآيات ، ومع ذلك يخرون على تلقيها تظاهرا منهم بالحرص على ذلك . وهذا الوجه ضعيف ؛ لأنه إنما يليق لو كان المعرض بهم منافقين ، وكيف والسورة مكية ، فأما المشركون فكانوا يعرضون عن تلقي الدعوة علنا ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب )
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73nindex.php?page=treesubj&link=28996_28895_28896وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا .
أُرِيدَ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِينَ بِمُخَالَفَةِ حَالَةٍ هِيَ مِنْ حَالَاتِ الْمُشْرِكِينَ ، وَتِلْكَ هِيَ حَالَةُ سَمَاعِهِمْ دَعْوَةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَطَلَبِ النَّظَرِ فِي دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ ، فَلِذَلِكَ جِيءَ بِالصِّلَةِ لِتَحْصِيلِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ مَعَ التَّعْرِيضِ بِتَفْظِيعِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ خَرُّوا صُمًّا وَعُمْيَانًا كَحَالِ مَنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يَرَى شَيْئًا فَيَجْعَلُ وَجْهَهُ عَلَى الْأَرْضِ ، فَاسْتُعِيرَ الْخُرُورُ لِشِدَّةِ الْكَرَاهِيَةِ وَالتَّبَاعُدِ بِحَيْثُ إِنَّ حَالَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ كَحَالِ الَّذِي يَخِرُّ إِلَى الْأَرْضِ ؛ لِئَلَّا يَرَى مَا يَكْرَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّقَوُّمِ وَالنُّهُوضِ ، فَتِلْكَ حَالَةٌ هِيَ غَايَةٌ فِي نَفْيِ إِمْكَانِ الْقَبُولِ .
وَمِنْهُ اسْتِعَارَةُ الْقُعُودِ لِلتَّخَلُّفِ عَنِ الْقِتَالِ ، وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ يُسْتَعَارُ الْإِقْبَالُ وَالتَّلَقِّي وَالْقِيَامُ لِلِاهْتِمَامِ بِالْأَمْرِ وَالْعِنَايَةِ بِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخُرُورُ وَاقِعًا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ جُلُوسًا فِي مُجْتَمَعَاتِهِمْ وَنَوَادِيهِمْ فَإِذَا دَعَاهُمُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْإِسْلَامِ طَأْطَئُوا رُءُوسَهُمْ وَقَرَّبُوهَا مِنَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْقَاعِدِ يَقُومُ مَقَامَ الْفِرَارِ ، أَوْ سَتْرِ الْوَجْهِ كَقَوْلِ أَعْرَابِيٍّ يَهْجُو قَوْمًا مِنْ
طَيْئٍ ، أَنْشَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ :
إِذَا مَـا قِـيلَ أَيُّهُــمْ لِأَيٍّ تَشَابَهَتِ الْمَنَاكِبُ وَالرُّءُوسُ
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ نُوحٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=7وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) . وَتَقَدَّمَ الْخُرُورُ الْحَقِيقِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ) فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ) فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
[ ص: 81 ] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=73صُمًّا وَعُمْيَانًا ) حَالَانِ مِنْ ضَمِيرِ ( يَخِرُّوا ) ، مُرَادٌ بِهِمَا التَّشْبِيهُ بِحَذْفِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ ، أَيْ : يَخِرُّونَ كَالصُّمِّ وَالْعُمْيَانِ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَسْمُوعِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْمُبْصَرِ مِنْهَا مِمَّا يُذَكَّرُونَ بِهِ . فَالنَّفْيُ عَلَى هَذَا مُنْصَبٌّ إِلَى الْفِعْلِ وَإِلَى قَيْدِهِ ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ . وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوَجُّهُ النَّفْيِ إِلَى الْقَيْدِ كَمَا هُوَ اسْتِعْمَالٌ غَالِبٌ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ ، فَالْمَعْنَى : لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا فِي حَالَةٍ كَالصَّمَمِ وَالْعَمَى ، وَلَكِنَّهُمْ يَخِرُّونَ عَلَيْهَا سَامِعِينَ مُبْصِرِينَ فَيَكُونُ الْخُرُورُ مُسْتَعَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى الْعَمَلِ بِشَرَاشِرِ الْقَلْبِ ، كَمَا يُقَالُ : أَكَبَّ عَلَى كَذَا ، أَيْ : صَرَفَ جُهْدَهُ فِيهِ ، فَيَكُونُ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي أَنَّهُمْ يُصَمُّونَ وَيُعْمَوْنَ عَنِ الْآيَاتِ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَخِرُّونَ عَلَى تَلَقِّيهَا تَظَاهُرًا مِنْهُمْ بِالْحِرْصِ عَلَى ذَلِكَ . وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلِيقُ لَوْ كَانَ الْمُعَرَّضُ بِهِمْ مُنَافِقِينَ ، وَكَيْفَ وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ ، فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَكَانُوا يُعْرِضُونَ عَنْ تَلَقِّي الدَّعْوَةِ عَلَنًا ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ )