فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون     . 
فاء ( فقد كذبوا    ) فصيحة ، أي فقد تبين أن إعراضهم إعراض تكذيب بعد الإخبار بأن سنتهم الإعراض عن الذكر الآتي بعضه عقب بعض ، فإن الإعراض كان لأنهم قد كذبوا بالقرآن . وأما الفاء في قوله ( فسيأتيهم    ) فلتعقيب الإخبار بالوعيد بعد الإخبار بالتكذيب . 
والأنباء : جمع نبأ ، وهو الخبر عن الحدث العظيم ، وتقدم عند قوله تعالى : ( ولقد جاءك من نبإ المرسلين    ) في سورة الأنعام . 
 [ ص: 99 ] والأنباء : ظهور صدقها ، وليس المراد من الإتيان هنا البلوغ كالذي في قوله ( وهل أتاك نبأ الخصم    ) ؛ لأن بلوغ الأنباء قد وقع فلا يحكى بعلامة الاستقبال في قوله : ( فسيأتيهم    ) . 
و ( ما ) في قوله : ( ما كانوا به يستهزئون    ) يجوز أن تكون موصولة فيجوز أن يكون ماصدقها القرآن وذلك كقوله تعالى ( ولا تتخذوا آيات الله هزؤا    ) ) . وجيء في صلته بفعل ( يستهزئون    ) دون ( يكذبون ) لتحصل فائدة الإخبار عنهم بأنهم كذبوا به واستهزءوا به ، وتكون الباء في ( به ) لتعدية فعل ( يستهزئون ) ، والضمير المجرور عائدا إلى ( ما ) الموصولة ، وأنباؤه أخباره بالوعيد . ويجوز أن يكون ماصدق ( ما ) جنس ما عرفوا باستهزائهم به وهو التوعد ، كانوا يقولون : متى هذا الوعد ؟ ونحو ذلك . 
وإضافة ( أنباء    ) إلى ( ما كانوا به يستهزئون    ) على هذا إضافة بيانية ، أي ما كانوا به يستهزئون الذي هو أنباء ما سيحل بهم . 
وجمع الأنباء على هذا باعتبار أنهم استهزءوا بأشياء كثيرة منها البعث ، ومنها العذاب في الدنيا ، ومنها نصر المسلمين عليهم ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين    ) ، ومنها فتح مكة ،  ومنها عذاب جهنم ، وشجرة الزقوم ، وكان أبو جهل يقول : زقمونا . استهزاء . 
ويجوز كون ( ما ) مصدرية ، أي أنباء كون استهزائهم ، أي حصوله ، وضمير ( به ) عائدا إلى معلوم من المقام ، وهو القرآن أو الرسول - صلى الله عليه وسلم . 
والمراد بأنباء استهزائهم أنباء جزائه وعاقبته وهو ما توعدهم به القرآن في غير ما آية . 
والقول في إقحام فعل ( كانوا ) هنا كالقول في إقحامه في قوله آنفا ( كانوا عنه معرضين    ) ولكن أوثر الإتيان بالفعل المضارع وهو ( يستهزئون    ) دون اسم الفاعل كالذي في قوله ( كانوا عنه معرضين    ) ؛ لأن الاستهزاء يتجدد عند تجدد وعيدهم بالعذاب ، وأما الإعراض فمتمكن منهم . 
 [ ص: 100 ] ومعنى ( فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون    ) على الوجه الأول أن يكون الإتيان بمعنى التحقق كما في قوله ( أتى أمر الله    ) أي تحقق ، أي سوف تتحقق أخبار الوعيد الذي توعدهم به القرآن الذي كانوا يستهزئون به . 
وعلى الوجه الثاني سوف تبلغهم أخبار استهزائهم بالقرآن ، أي : أخبار العقاب على ذلك ، وأوثر إفراد فعل ( يأتيهم ) مع أن فاعله جمع تكسير لغير مذكر حقيقي يجوز تأنيثه ؛ لأن الإفراد أخف في الكلام لكثرة دورانه 
				
						
						
