قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون     . 
احتد فرعون  لما ذكر موسى  ما يشمل آباءه المقدسين بذكر يخرجهم من صفة الإلهية زاعما أن هذا يخالف العقل بالضرورة فلا يصدر إلا من مختل الإدراك ، وأنه رأى أن الاستدلال بخالقيتهم وخالقية آبائهم عبث ؛ لأن فرعون  وملأه يرون تكوين الآدمي بالتولد  وهم لا يحسبون التكوين الدال على الخالقية إلا التكوين بالطفرة دون التدريج بناء على أن الأشياء المعتادة لا تتفطن إلى دقائقها العقول الساذجة ، فهم يحسبون تكوين الفرخ من البيضة أقل من تكوين الرعد ، وأن تكوين دودة القز أدل على الخالق من تكوين الآدمي مع أنه ليس كذلك ؛ فلذلك زعم أن ادعاء دلالة تكوين الآباء والأبناء ودلالة فناء الآباء على ثبوت الإله الواحد رب الأباء والأبناء ضربا من الجنون ؛ إذ هو تكوين لم يشهدوا دقائقه ، والمعروف المألوف ولادة الأجنة وموت الأموات . 
وأكد كلامه بحرفي التأكيد ؛ لأن حالة موسى  لا تؤذن بجنونه فكان وصفه بالمجنون معرضا للشك ، فلذلك أكد فرعون أنه مجنون يعني أنه علم من حال موسى  ما عسى أن لا يعلمه السامعون . 
 [ ص: 120 ] وقصد بإطلاق وصف الرسول على موسى  التهكم به بقرينة رميه بالجنون المحقق عنده . 
وأضاف الرسول إلى المخاطبين ربئا بنفسه عن أن يكون مقصودا بالخطاب ، وأكد التهكم والربء بوصفه بالموصول ( الذي أرسل إليكم    ) فإن مضمون الموصول وصلته هو مضمون ( رسولكم ) فكان ذكره كالتأكيد ، وتنصيصا على المقصود لزيادة تهييج السامعين كيلا يتأثروا أو يتأثر بعضهم بصدق موسى  ؛ لأن فرعون  يتهيأ لإعداد العدة لمقاومة موسى  لعلمه بأن له قوما في مصر  ربما يستنصر بهم . 
				
						
						
