[ ص: 245 ] nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=28998_31969وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين .
صيغة التفعل تدل على التكلف ، والتكلف : الطلب . واشتقاق ( تفقد ) من الفقد يقتضي أن ( تفقد ) بمعنى طلب الفقد . ولكنهم توسعوا فيه فأطلقوه على طلب معرفة سبب الفقد ، أي : معرفة ما أحدثه الفقد في شيء ، فالتفقد : البحث عن الفقد ليعرف بذلك أن الشيء لم ينقص وكان الطير من جملة الجند ; لأن كثيرا من الطير صالح للانتفاع به في أمور الجند فمنه الحمام الزاجل ، ومنه الهدهد أيضا لمعرفة الماء ، ومنه البزاة والصقور لصيد الملك وجنده ، ولجلب الطعام للجند من الصيد إذا حل الجند في القفار أو نفد الزاد . وللطير جنود يقومون بشئونها . وتفقد الجند من شعار الملك والأمراء وهو من مقاصد حشر الجنود وتسييرها . والمعنى : تفقد الطير في جملة ما تفقده فقال لمن يلون أمر الطير : ما لي لا أرى الهدهد .
nindex.php?page=treesubj&link=7682ومن واجبات ولاة الأمور تفقد أحوال الرعية وتفقد العمال ونحوهم بنفسه كما فعل
عمر في خروجه إلى
الشام سنة سبع عشرة هجرية ، أو بمن يكل إليه ذلك فقد جعل
عمر محمد بن مسلمة الأنصاري يتفقد العمال .
والهدهد : نوع من الطير وهو ما يقرقر وفي رائحته نتن وفوق رأسه قزعة سوداء ، وهو أسود البراثن ، أصفر الأجفان ، يقتات الحبوب والدود ، يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض فإذا رفرف على موضع علم أن به ماء ، وهذا سبب اتخاذه في جند
سليمان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ : يزعمون أنه هو الذي كان يدل
سليمان على مواضع الماء في قعور الأرضين إذا أراد استنباط شيء منها .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20ما لي لا أرى الهدهد استفهام عن شيء حصل له في حال عدم رؤيته الهدهد ، ف ( ما ) استفهام . واللام من قوله ( لي ) للاختصاص . والمجرور
[ ص: 246 ] باللام خبر عن ( ما ) الاستفهامية . والتقدير : ما الأمر الذي كان لي .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20لا أرى الهدهد ) في موضع الحال من ياء المتكلم المجرور باللام ، فالاستفهام عما حصل له في هذه الحال ، أي : عن المانع لرؤية الهدهد . والكلام موجه إلى خفرائه . يعني : أكان انتفاء رؤيتي الهدهد من عدم إحاطة نظري أم من اختفاء الهدهد ؟ فالاستفهام حقيقي وهو كناية عن عدم ظهور الهدهد .
و ( أم ) منقطعة ; لأنها تقع بعد همزة الاستفهام التي يطلب بها تعيين أحد الشيئين . و ( أم ) لا يفارقها تقدير معنى الاستفهام بعدها فأفادت هنا إضراب الانتقال من استفهام إلى استفهام آخر . والتقدير : بل أكان من الغائبين ؟ وليست ( أم ) المنقطعة خاصة بالوقوع بعد الخبر بل كما تقع بعد الخبر تقع بعد الاستفهام .
وصاحب المفتاح مثل بهذه الآية لاستعمال الاستفهام في التعجب والمثال يكفي فيه الفرض . ولما كان قول
سليمان هذا صادرا بعد تقصيه أحوال الطير ورجح ذلك عنده أنه غاب فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ; لأن تغيبه من دون إذن عصيان يقتضي عقابه ، وذلك موكول لاجتهاد
سليمان في المقدار الذي يراه استصلاحا له إن كان يرجى صلاحه أو إعداما له لئلا يلقن بالفساد غيره فيدخل الفساد في الجند ويكون عقابه نكالا لغيره . فصمم
سليمان على أنه يفعل به عقوبة جزاء على عدم حضوره في الجنود . ويؤخذ من هذا جواز
nindex.php?page=treesubj&link=7701عقاب الجندي إذا خالف ما عين له من عمل أو تغيب عنه .
وأما عقوبة الحيوان فإنما تكون عند تجاوزه المعتاد في أحواله . قال
القرافي في تنقيح الفصول في آخر فصوله : سئل الشيخ
عز الدين بن عبد السلام عن
nindex.php?page=treesubj&link=28390قتل الهر الموذي هل يجوز ؟ فكتب وأنا حاضر : إذا خرجت أذيته عن عادة القطط وتكرر ذلك منه قتل اهـ . قال
القرافي : فاحترز بالقيد الأول عما هو في طبع الهر من أكل اللحم إذا ترك ، فإذا أكله لم يقتل لأنه طبعه ، واحترز بالقيد الثاني عن أن يكون ذلك منه على وجه القلة فإن ذلك لا يوجب قتله . قال
القرافي : وقال
أبو حنيفة : إذا آذت الهرة وقصد قتلها لا تعذب ولا تخنق بل تذبح بموسى حادة لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341236إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة اهـ .
[ ص: 247 ] وقال الشيخ
ابن أبي زيد في الرسالة : ولا بأس إن شاء الله
nindex.php?page=treesubj&link=26239بقتل النمل إذا آذت ولم يقدر على تركها . فقول
سليمان :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا شريعة منسوخة .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=19824العقاب الخفيف للحيوان لتربيته وتأديبه كضرب الخيل لتعليم السير ونحو ذلك فهو مأذون فيه لمصلحة السير ، وكذلك السبق بين الخيل مع ما فيه من إتعابها لمصلحة السير عليها في الجيوش .
و ( أو ) تفيد أحد الأشياء فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21أو ليأتيني بسلطان مبين جعله ثالث الأمور التي جعلها جزاء لغيبته وهو أن يأتي بما يدفع به العقاب عن نفسه من عذر في التخلف مقبول .
والسلطان : الحجة . والمبين : المظهر للحق المحتج بها . وهذه الزيادة من النبيء
سليمان استقصاء للهدهد في حقه ; لأن الغائب حجته معه .
وأكد عزمه على عقابه بتأكيد الجملتين (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأذبحنه ) باللام المؤكدة التي تسمى لام القسم وبنون التوكيد ليعلم الجند ذلك حتى إذا فقد الهدهد ولم يرجع يكون ذلك التأكيد زاجرا لباقي الجند عن أن يأتوا بمثل فعلته فينالهم العقاب .
وأما تأكيد جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21أو ليأتيني بسلطان مبين فلإفادة تحقيق أنه لا منجى له من العقاب إلا أن يأتي بحجة تبرر تغيبه ; لأن سياق تلك الجملة يفيد أن مضمونها عديل العقوبة . فلما كان العقاب مؤكدا محققا فقد اقتضى تأكيد المخرج منه ؛ لئلا يبرئه منه إلا تحقق الإتيان بحجة ظاهرة لئلا تتوهم هوادة في الإدلاء بالحجة فكان تأكيد العديل كتأكيد معادله . وبهذا يظهر أن ( أو ) الأولى للتخيير و ( أو ) الثانية للتقسيم . وقيل : جيء بتوكيد جملة ( ليأتيني ) مشاكلة للجملتين اللتين قبلها وتغليبا . واختاره بعض المحققين وليس من التحقيق .
وكتب في المصاحف (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لا أذبحنه ) بلام ألف بعدها ألف حتى يخال أنه نفي الذبح ، وليس بنفي ; لأن وقوع نون التوكيد بعده يؤذن بأنه إثبات ; إذ لا يؤكد المنفي بنون التأكيد إلا نادرا في كلامهم ؛ ولأن سياق الكلام والمعنى حارس من تطرق
[ ص: 248 ] احتمال النفي ؛ ولأن اعتماد المسلمين في ألفاظ القرآن على الحفظ لا على الكتابة ، فإن المصاحف ما كتبت حتى قرئ القرآن نيفا وعشرين سنة . وقد تقع في رسم المصحف أشياء مخالفة لما اصطلح عليه الراسمون من بعد ; لأن الرسم لم يكن على تمام الضبط في صدر الإسلام وكان اعتماد العرب على حوافظهم .
وقرأ
ابن كثير (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21أو ليأتينني ) بنونين الأولى مشددة وهي نون التوكيد والثانية نون الوقاية . وقرأ الباقون بنون واحدة مشددة بحذف نون الوقاية لتلاقي النونات .
[ ص: 245 ] nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=28998_31969وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ .
صِيغَةُ التَّفَعُّلِ تَدُلُّ عَلَى التَّكَلُّفِ ، وَالتَّكَلُّفُ : الطَّلَبُ . وَاشْتِقَاقُ ( تَفَقَّدَ ) مِنَ الْفَقْدِ يَقْتَضِي أَنَّ ( تَفَقَّدَ ) بِمَعْنَى طَلَبِ الْفَقْدِ . وَلَكِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهِ فَأَطْلَقُوهُ عَلَى طَلَبِ مَعْرِفَةِ سَبَبِ الْفَقْدِ ، أَيْ : مَعْرِفَةُ مَا أَحْدَثَهُ الْفَقْدُ فِي شَيْءٍ ، فَالتَّفَقُّدُ : الْبَحْثُ عَنِ الْفَقْدِ لَيَعْرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ لَمْ يَنْقُصْ وَكَانَ الطَّيْرُ مِنْ جُمْلَةِ الْجُنْدِ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الطَّيْرِ صَالِحٌ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فِي أُمُورِ الْجُنْدِ فَمِنْهُ الْحَمَامُ الزَّاجِلُ ، وَمِنْهُ الْهُدْهُدُ أَيْضًا لِمَعْرِفَةِ الْمَاءِ ، وَمِنْهُ الْبُزَاةُ وَالصُّقُورُ لِصَيْدِ الْمَلِكِ وَجُنْدِهِ ، وَلِجَلْبِ الطَّعَامِ لِلْجُنْدِ مِنَ الصَّيْدِ إِذَا حَلَّ الْجُنْدُ فِي الْقِفَارِ أَوْ نَفَدَ الزَّادُ . وَلِلطَّيْرِ جُنُودٌ يَقُومُونَ بِشُئُونِهَا . وَتَفَقُّدُ الْجُنْدِ مِنْ شِعَارِ الْمَلِكِ وَالْأُمَرَاءِ وَهُوَ مِنْ مَقَاصِدِ حَشْرِ الْجُنُودِ وَتَسْيِيرِهَا . وَالْمَعْنَى : تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فِي جُمْلَةِ مَا تَفَقَّدَهُ فَقَالَ لِمَنْ يَلُونَ أَمْرَ الطَّيْرِ : مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ .
nindex.php?page=treesubj&link=7682وَمِنْ وَاجِبَاتِ وُلَاةِ الْأُمُورِ تَفَقُّدُ أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَتَفَقُّدُ الْعُمَّالِ وَنَحْوِهِمْ بِنَفْسِهِ كَمَا فَعَلَ
عُمَرُ فِي خُرُوجِهِ إِلَى
الشَّامِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ هِجْرِيَّةً ، أَوْ بِمَنْ يَكِلُ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَ
عُمَرُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ يَتَفَقَّدُ الْعُمَّالَ .
وَالْهُدْهُدُ : نَوْعٌ مِنَ الطَّيْرِ وَهُوَ مَا يُقَرْقِرُ وَفِي رَائِحَتِهِ نَتَنٌ وَفَوْقَ رَأْسِهِ قَزَعَةٌ سَوْدَاءُ ، وَهُوَ أَسْوَدُ الْبَرَاثِنِ ، أَصْفَرُ الْأَجْفَانِ ، يَقْتَاتُ الْحُبُوبَ وَالدُّودَ ، يَرَى الْمَاءَ مِنْ بُعْدٍ وَيُحِسُّ بِهِ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ فَإِذَا رَفْرَفَ عَلَى مَوْضِعٍ عُلِمَ أَنَّ بِهِ مَاءً ، وَهَذَا سَبَبُ اتِّخَاذِهِ فِي جُنْدِ
سُلَيْمَانَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13974الْجَاحِظُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ
سُلَيْمَانَ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَاءِ فِي قَعُورِ الْأَرَضِينَ إِذَا أَرَادَ اسْتِنْبَاطَ شَيْءٍ مِنْهَا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ اسْتِفْهَامٌ عَنْ شَيْءٍ حَصَلَ لَهُ فِي حَالِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ الْهُدْهُدَ ، فَ ( مَا ) اسْتِفْهَامٌ . وَاللَّامُ مِنْ قَوْلِهِ ( لِيَ ) لِلِاخْتِصَاصِ . وَالْمَجْرُورُ
[ ص: 246 ] بِاللَّامِ خَبَرٌ عَنْ ( مَا ) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ . وَالتَّقْدِيرُ : مَا الْأَمْرُ الَّذِي كَانَ لِي .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْرُورِ بِاللَّامِ ، فَالِاسْتِفْهَامُ عَمَّا حَصَلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، أَيْ : عَنِ الْمَانِعِ لِرُؤْيَةِ الْهُدْهُدِ . وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى خُفَرَائِهِ . يَعْنِي : أَكَانَ انْتِفَاءُ رُؤْيَتِي الْهُدْهُدَ مِنْ عَدَمِ إِحَاطَةِ نَظَرِي أَمْ مِنَ اخْتِفَاءِ الْهُدْهُدِ ؟ فَالِاسْتِفْهَامُ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ ظُهُورِ الْهُدْهُدِ .
وَ ( أَمْ ) مُنْقَطِعَةٌ ; لِأَنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا تَعْيِينُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ . وَ ( أَمْ ) لَا يُفَارِقُهَا تَقْدِيرُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَهَا فَأَفَادَتْ هُنَا إِضْرَابَ الِانْتِقَالِ مِنَ اسْتِفْهَامٍ إِلَى اسْتِفْهَامٍ آخَرَ . وَالتَّقْدِيرُ : بَلْ أَكَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ؟ وَلَيْسَتْ ( أَمْ ) الْمُنْقَطِعَةُ خَاصَّةً بِالْوُقُوعِ بَعْدَ الْخَبَرِ بَلْ كَمَا تَقَعُ بَعْدَ الْخَبَرِ تَقَعُ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ .
وَصَاحِبُ الْمِفْتَاحِ مَثَّلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِاسْتِعْمَالِ الِاسْتِفْهَامِ فِي التَّعَجُّبِ وَالْمِثَالُ يَكْفِي فِيهِ الْفَرْضُ . وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ
سُلَيْمَانَ هَذَا صَادِرًا بَعْدَ تَقَصِّيهِ أَحْوَالَ الطَّيْرِ وَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّهُ غَابَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ; لِأَنَّ تَغَيُّبَهُ مِنْ دُونِ إِذْنٍ عِصْيَانٌ يَقْتَضِي عِقَابَهُ ، وَذَلِكَ مَوْكُولٌ لِاجْتِهَادِ
سُلَيْمَانَ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَرَاهُ اسْتِصْلَاحًا لَهُ إِنْ كَانَ يُرْجَى صَلَاحُهُ أَوْ إِعْدَامًا لَهُ لِئَلَّا يُلَقِّنَ بِالْفَسَادِ غَيْرَهُ فَيَدْخُلُ الْفَسَادُ فِي الْجُنْدِ وَيَكُونُ عِقَابُهُ نَكَالًا لِغَيْرِهِ . فَصَمَّمَ
سُلَيْمَانُ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ عُقُوبَةً جَزَاءً عَلَى عَدَمِ حُضُورِهِ فِي الْجُنُودِ . وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=7701عِقَابِ الْجُنْدِيِّ إِذَا خَالَفَ مَا عُيِّنَ لَهُ مِنْ عَمَلٍ أَوْ تَغَيَّبَ عَنْهُ .
وَأَمَّا عُقُوبَةُ الْحَيَوَانِ فَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ تَجَاوُزِهِ الْمُعْتَادَ فِي أَحْوَالِهِ . قَالَ
الْقَرَافِيُّ فِي تَنْقِيحِ الْفُصُولِ فِي آخِرِ فُصُولِهِ : سُئِلَ الشَّيْخُ
عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28390قَتْلِ الْهِرِّ الْمَوْذِي هَلْ يَجُوزُ ؟ فَكَتَبَ وَأَنَا حَاضِرٌ : إِذَا خَرَجَتْ أَذِيَّتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ قُتِلَ اهـ . قَالَ
الْقَرَافِيُّ : فَاحْتَرَزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ عَمَّا هُوَ فِي طَبْعِ الْهِرِّ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ إِذَا تُرِكَ ، فَإِذَا أَكَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ طَبْعُهُ ، وَاحْتَرَزَ بِالْقَيْدِ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْقِلَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَتْلَهُ . قَالَ
الْقَرَافِيُّ : وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِذَا آذَتِ الْهِرَّةُ وَقَصَدَ قَتْلَهَا لَا تُعَذَّبُ وَلَا تُخْنَقُ بَلْ تُذْبَحُ بِمُوسَى حَادَّةٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341236إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ اهـ .
[ ص: 247 ] وَقَالَ الشَّيْخُ
ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ : وَلَا بَأْسَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=26239بِقَتْلِ النَّمْلِ إِذَا آذَتْ وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا . فَقَوْلُ
سُلَيْمَانَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا شَرِيعَةٌ مَنْسُوخَةٌ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19824الْعِقَابُ الْخَفِيفُ لِلْحَيَوَانِ لِتَرْبِيَتِهِ وَتَأْدِيبِهِ كَضَرْبِ الْخَيْلِ لِتَعْلِيمِ السَّيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ السَّيْرِ ، وَكَذَلِكَ السَّبَقُ بَيْنَ الْخَيْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِتْعَابِهَا لِمَصْلَحَةِ السَّيْرِ عَلَيْهَا فِي الْجُيُوشِ .
وَ ( أَوْ ) تُفِيدُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ جَعَلَهُ ثَالِثَ الْأُمُورِ الَّتِي جَعَلَهَا جَزَاءً لِغَيْبَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَدْفَعُ بِهِ الْعِقَابَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ عُذْرٍ فِي التَّخَلُّفِ مَقْبُولٍ .
وَالسُّلْطَانُ : الْحُجَّةُ . وَالْمُبِينُ : الْمُظْهِرُ لِلْحَقِّ الْمُحْتَجُّ بِهَا . وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنَ النَّبِيءِ
سُلَيْمَانَ اسْتِقْصَاءٌ لِلْهُدْهُدِ فِي حَقِّهِ ; لِأَنَّ الْغَائِبَ حُجَّتُهُ مَعَهُ .
وَأَكَّدَ عَزْمَهُ عَلَى عِقَابِهِ بِتَأْكِيدِ الْجُمْلَتَيْنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأَذْبَحَنَّهُ ) بِاللَّامِ الْمُؤَكِّدَةِ الَّتِي تُسَمَّى لَامُ الْقَسَمِ وَبِنُونِ التَّوْكِيدِ لِيَعْلَمَ الْجُنْدُ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا فُقِدَ الْهُدْهُدُ وَلَمْ يَرْجِعْ يَكُونُ ذَلِكَ التَّأْكِيدُ زَاجِرًا لِبَاقِي الْجُنْدِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ فِعْلَتِهِ فَيَنَالُهُمُ الْعِقَابُ .
وَأَمَّا تَأْكِيدُ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ فَلِإِفَادَةِ تَحْقِيقِ أَنَّهُ لَا مَنْجَى لَهُ مِنَ الْعِقَابِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ تُبَرِّرُ تَغَيُّبَهُ ; لِأَنَّ سِيَاقَ تِلْكَ الْجُمْلَةِ يُفِيدُ أَنَّ مَضْمُونَهَا عَدِيلُ الْعُقُوبَةِ . فَلَمَّا كَانَ الْعِقَابُ مُؤَكَّدًا مُحَقَّقًا فَقَدِ اقْتَضَى تَأْكِيدَ الْمُخْرِجِ مِنْهُ ؛ لِئَلَّا يُبَرِّئَهُ مِنْهُ إِلَّا تَحَقُّقُ الْإِتْيَانِ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ لِئَلَّا تُتَوَهَّمَ هَوَادَةٌ فِي الْإِدْلَاءِ بِالْحُجَّةِ فَكَانَ تَأْكِيدُ الْعَدِيلِ كَتَأْكِيدِ مُعَادِلِهِ . وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ ( أَوِ ) الْأُولَى لِلتَّخْيِيرِ وَ ( أَوِ ) الثَّانِيَةَ لِلتَّقْسِيمِ . وَقِيلَ : جِيءَ بِتَوْكِيدِ جُمْلَةِ ( لَيَأْتِيَنِّي ) مُشَاكَلَةً لِلْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا وَتَغْلِيبًا . وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَلَيْسَ مِنَ التَّحْقِيقِ .
وَكُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَا أَذْبَحَنَّهُ ) بِلَامِ أَلِفٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ حَتَّى يُخَالَ أَنَّهُ نَفْيُ الذَّبْحِ ، وَلَيْسَ بِنَفْيٍ ; لِأَنَّ وُقُوعَ نُونِ التَّوْكِيدِ بَعْدَهُ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ إِثْبَاتٌ ; إِذْ لَا يُؤَكَّدُ الْمَنْفِيُّ بِنُونِ التَّأْكِيدِ إِلَّا نَادِرًا فِي كَلَامِهِمْ ؛ وَلِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ وَالْمَعْنَى حَارِسٌ مِنْ تَطَرُّقِ
[ ص: 248 ] احْتِمَالِ النَّفْيِ ؛ وَلِأَنَّ اعْتِمَادَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحِفْظِ لَا عَلَى الْكِتَابَةِ ، فَإِنَّ الْمَصَاحِفَ مَا كُتِبَتْ حَتَّى قُرِئَ الْقُرْآنُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً . وَقَدْ تَقَعُ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ أَشْيَاءُ مُخَالِفَةٌ لِمَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الرَّاسِمُونَ مِنْ بَعْدُ ; لِأَنَّ الرَّسْمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى تَمَامِ الضَّبْطِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ اعْتِمَادُ الْعَرَبِ عَلَى حَوَافِظِهِمْ .
وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21أَوْ لَيَأْتِيَنِّني ) بِنُونَيْنِ الْأُولَى مُشَدَّدَةٌ وَهِيَ نُونُ التَّوْكِيدِ وَالثَّانِيَةُ نُونُ الْوِقَايَةِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ بِحَذْفِ نُونِ الْوِقَايَةِ لِتَلَاقِي النُّونَاتِ .