آلله خير أم ما تشركون هذا مما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقول فأمر أن يقول : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى تمهيدا لقوله : " آلله خير أم ما تشركون " [ ص: 9 ] ؛ لأن العباد الذين اصطفاهم الله جاءوا كلهم بحاصل هذه الجملة . وأمر أن يشرع في الاستدلال على مسامع المشركين فيقول لهم هذا الكلام ، بقرينة قوله : " أما تشركون " بصيغة الخطاب في قراءة الجمهور ، ولأن المناسب للاستفهام أن يكون موجها إلى الذين أشركوا بالله ما لا يخلق ولا يرزق ولا يفيض النعم ولا يستجيب الدعاء ، فليس هذا لقصد إثبات التوحيد للمسلمين .
والاستفهام مستعمل في الإلجاء وإلزام المخاطب بالإقرار بالحق وتنبيهه على خطئه . وهذا دليل إجمالي يقصد به ابتداء النظر في التحقيق بالإلهية والعبادة . فهذا من قبيل ما قال الباقلاني وإمام الحرمين : إن أول الواجبات أول النظر أو القصد إلى النظر ثم تأتي بعده الأدلة التفصيلية ، وقد ناسب إجماله أنه دليل جامع لما يأتي من التفاصيل فلذلك جيء فيه بالاسم الجامع لمعاني الصفات كلها ، وهو اسم الجلالة . فقيل : آلله خير . وجيء فيما بعد بالاسم الموصول لما في صلاته من الصفات . وابن فورك
وجاء " خير " بصيغة التفضيل لقصد مجاراة معتقدهم أن أصنامهم شركاء الله في الإلهية بحيث كان لهم حظ وافر من الخير في زعمهم ، فعبر بـ " خير " لإيهام أن المقام لإظهار رجحان إلهية الله تعالى على أصنامهم استدراجا لهم في التنبيه على الخطإ مع التهكم بهم إذ آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله . والعاقل لا يؤثر شيئا على شيء إلا لداع يدعو إلى إيثاره ، ففي هذا الاستفهام عن الأفضل في الخير تنبيه لهم على الخطإ المفرط والجهل المورط لتنفتح بصائرهم إلى الحق إن أرادوا اهتداء . والمعنى : آلله الحقيق بالإلهية أم ما تشركون معه .
والاستفهام على حقيقته بقرينة وجود أم المعادلة للهمزة فإن التهكم يبنى على الاستعمال الحقيقي .
وهذا الكلام كالمقدمة للأدلة الآتية جميعها على هذا الدليل الإجمالي كما ستعلمه .
وقرأ الجمهور ( تشركون ) بتاء الخطاب . وقرأه أبو عمرو وعاصم ويعقوب [ ص: 10 ] بياء الغيبة فيكون القول الذي أمر به النبيء صلى الله عليه وسلم محكيا بالمعنى روعي فيه غيبة المشركين في مقام الخطاب بالأمر .
وما موصولة والعائد محذوف . والتقدير : ما يشركونها إياه ، أي أصنامكم .