وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون   الواو للحال من ضمير " لأخته " . والتحريم : المنع ، وهو تحريم تكويني ، أي قدرنا في نفس الطفل الامتناع من التقام أثداء المراضع وكراهتها ليضطر آل فرعون  إلى البحث عن مرضع يتقبل ثديها ؛ لأن فرعون  وامرأته حريصان على حياة الطفل ، ومن مقدمات ذلك أن جعل الله إرضاعه من أمه مدة تعود فيها بثديها . 
 [ ص: 84 ] ومعنى من قبل من قبل التقاطه وهو إيذان بأن ذلك التحريم مما تعلق به علم الله وإرادته في الأزل . 
والفاء في قوله " فقالت " فاء فصيحة تؤذن بجملة مقدرة ، أي فأظهرت أخته نفسها كأنها مرت بهم عن غير قصد . وإنما قالت ذلك بعد أن فشا في الناس طلب المراضع له وتبديل مرضعة عقب أخرى حتى عرض على عدد كثير في حصة قصيرة ، وذلك بسرعة مقدرة آل فرعون  وكثرة تفتيشهم على المراضع حتى ألفوا عددا كثيرا في زمن يسير ، وأيضا لعرض المراضع أنفسهن على آل فرعون  لما شاع أنهم يتطلبون مرضعا . 
وعرضت سعيها في ذلك بطريق الاستفهام المستعمل في العرض تلطفا مع آل فرعون  وإيعادا للظنة عن نفسها . 
ومعنى يكفلونه يتعهدون بحفظه وإرضاعه . فيدل هذا على أن عادتهم في الإرضاع أن يسلم الطفل إلى المرأة التي ترضعه يكون عندها كما كانت عادة العرب ؛ لأن النساء الحرائر لم يكن يرضين بترك بيوتهن والانتقال إلى بيوت آل الأطفال الرضعاء . كما جاء في خبر إرضاع محمد  صلى الله عليه وسلم عند حليمة بنت وهب  في حي بني سعد بن بكر    . قال صاحب الكشاف : فدفعه فرعون  إليها وأجرى لها وذهبت به إلى بيتها . 
والعدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية في قوله وهم له ناصحون  لقصد تأكيد أن النصح من سجاياهم ومما ثبت لهم فلذلك لم يقل : وينصحون له كما قيل يكفلونه لكم  ؛ لأن الكفالة أمر سهل بخلاف النصح والعناية . 
وتعليق له بـ ناصحون ليس على معنى التقييد ؛ بل لأنه حكاية الواقع . فالمعنى : أن النصح من صفاتهم فهو حاصل له كما يحصل لأمثاله حسب سجيتهم . والنصح : العمل الخالص الخلي من التقصير والفساد . 
				
						
						
