وأراد بظلمه نفسه أنه تسبب لنفسه في مضرة إضمار القبط قتله ، وأنه تجاوز الحد في عقاب القبطي على مضاربته الإسرائيلي . ولعله لم يستقص الظالم منهما وذلك انتصار جاهلي كما قال وداك بن ثميل المازني يمدح قومه :
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأية حرب أم بأي مكان
وقد اهتدى موسى إلى هذا كله بالإلهام إذ لم تكن يومئذ شريعة إلهية في القبط . ويجوز أن يكون علمه بذلك مما تلقاه من أمه وقومها من تدين ببقايا دين إسحاق ويعقوب .ولا التفات في هذا إلى جواز صدور الذنب من النبيء ؛ لأنه لم يكن يومئذ نبيا ، ولا مسألة صدور الذنب من النبيء قبل النبوة ؛ لأن تلك مفروضة فيما تقرر حكمه من الذنوب بحسب شرع ذلك النبيء أو شرع نبي هو متبعه مثل عيسى عليه السلام قبل نبوءته لوجود شريعة التوراة وهو من أتباعها .
والفاء في قوله فغفر له للتعقيب ، أي استجاب استغفاره فعجل له بالمغفرة .
[ ص: 92 ] وجملة فغفر له معترضة بين جملة قال رب إني ظلمت نفسي وجملة قال رب بما أنعمت علي كان اعتراضها إعلاما لأهل القرآن موسى عليه السلام عند ربه . بكرامة
وجملة إنه هو الغفور الرحيم تعليل لجملة فغفر له ; علل المغفرة له بأنه شديد الغفران ورحيم بعباده ، مع تأكيد ذلك بصيغة القصر إيماء إلى أن ما جاء به هو من ظلم نفسه وما حفه من الأمور التي ذكرناها .