[ ص: 116 ] فأرسله معي ردا يصدقني إني أخاف أن يكذبون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا هذا سؤال صريح يدل على أن موسى لا يريد بالأول التنصل من التبليغ ولكنه أراد تأييده بأخيه . وإنما عينه ولم يسأل مؤيدا إما لعلمه بأمانته ، وإخلاصه لله ولأخيه ، وعلمه بفصاحة لسانه .
و ( ردا ) بالتخفيف مثل ( ردء ) بالهمز في آخره : العون . قرأه نافع وأبو جعفر ( ردا ) مخففا . وقرأه الباقون ( ردءا ) بالهمز على الأصل .
و " يصدقني " قرأه الجمهور مجزوما في جواب الطلب بقوله " فأرسله معي " . وقرأه عاصم وحمزة بالرفع على أن الجملة حال من الهاء من " أرسله " .
ومعنى تصديقه إياه أن يكون سببا في تصديق فرعون وملئه إياه بإبانته عن الأدلة التي يلقيها موسى في مقام مجادلة فرعون كما يقتضيه قوله " هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردا يصدقني " . فإنه فرع طلب إرساله معه على كونه أفصح لسانا وجعل تصديقه جواب ذلك الطلب أو حالا من المطلوب فهو تفريع على تفريع ، فلا جرم أن يكون معناه مناسبا لمعنى المفرع عنه ، وهو أنه أفصح لسانا . وليس للفصاحة أثر في التصديق إلا بهذا المعنى .
وليس التصديق أن يقول لهم : صدق موسى ؛ لأن ذلك يستوي فيه الفصيح وذو الفهاهة . فإسناد التصديق إلى هارون مجاز عقلي ؛ لأنه سببه ، والمصدقون حقيقة هم الذين يحصل لهم العلم بأن موسى صادق فيما جاء به .
وجملة إني أخاف أن يكذبون تعليل لسؤال تأييده بهارون ، فهذه مخافة ثانية من التكذيب ، والأولى مخافة من القتل .