nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=28999_32438_29485قل أرايتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72قل أرايتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون
انتقال من
nindex.php?page=treesubj&link=28658الاستدلال على انفراده تعالى بالإلهية بصفات ذاته إلى الاستدلال على ذلك ببديع مصنوعاته ، وفي ضمن هذا الاستدلال إدماج الامتنان على الناس ، وللتعريض بكفر المشركين جلائل نعمه .
ومن أبدع الاستدلال أن اختير للاستدلال على وحدانية الله هذا الصنع العجيب المتكرر كل يوم مرتين ، والذي يستوي في إدراكه كل مميز ، والذي هو أجلى مظاهر التغير في هذا العالم ، فهو دليل الحدوث ، وهو مما يدخل في التكيف به جميع الموجودات في هذا العالم ، حتى الأصنام ، فهي تظلم وتسود أجسامها بظلام الليل وتشرق وتضيء بضياء النهار ، وكان الاستدلال بتعاقب الضياء والظلمة على
[ ص: 169 ] الناس أقوى وأوضح من الاستدلال بتكوين أحدهما لو كان دائما ؛ لأن قدرة خالق الضدين وجاعل أحدهما ينسخ الآخر كل يوم أظهر منها لو لم يخلق إلا أقواهما وأنفعهما ؛ ولأن النعمة بتعاقبهما دوما أشد من الإنعام بأفضلهما وأنفعهما ؛ لأنه لو كان دائما لكان مسئوما ، ولحصلت منه طائفة من المنافع ، وفقدت منافع ضده ، فالتنقل في النعم مرغوب فيه ولو كان تنقلا إلى ما هو دون . وسيق إليهم هذا الاستدلال بأسلوب تلقين النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله لهم اهتماما بهذا التذكير لهذا الاستدلال ولاشتمال على ضدين متعاقبين ، حتى لو كانت عقولهم قاصرة عن إدراك دلالة أحد الضدين لكان في الضد الآخر تنبيه لهم ، ولو قصروا عن حكمة كل واحد منهما كان في تعاقبهما ما يكفي للاستدلال .
وجيء في الشرطين بحرف " إن " ؛ لأن الشرط مفروض فرضا مخالفا للواقع . وعلم أنه قصد الاستدلال بعبرة خلق النور ؛ فلذلك فرض استمرار الليل ، والمقصود ما بعده وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71من إله غير الله يأتيكم بضياء .
والسرمد : الدائم الذي لا ينقطع . قال في " الكشاف " : من السرد ، وهو المتابعة ، ومنه قولهم في الأشهر الحرم : ثلاثة سرد وواحد فرد ، والميم مزيدة ، ووزنه فعمل ، ونظيره دلامص من الدلاص اهــ . دلامص - بضم الدال وكسر الميم - من صفات الدرع ، وأصلها دلاص - بدال مكسورة - أي براقة . ونسب إلى صاحب " القاموس " وبعض النحاة أن ميم سرمد أصلية ، وأن وزنه " فعلل " . والمراد بجعل الليل سرمدا أن لا يكون الله خلق الشمس ويكون خلق الأرض ، فكانت الأرض مظلمة .
والرؤية قلبية .
والاستفهام في أرأيتم تقريري ، والاستفهام في
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71من إله غير الله يأتيكم بضياء إنكاري وهم معترفون بهذا الانتفاء ، وأن خالق الليل والنهار هو الله تعالى لا غيره .
والمراد بالغاية في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71إلى يوم القيامة إحاطة أزمنة الدنيا ، وليس المراد انتهاء جعله سرمدا .
والإتيان بالضياء وبالليل مستعار للإيجاد; شبه إيجاد الشيء الذي لم يكن
[ ص: 170 ] موجودا بالإجاءة بشيء من مكان إلى مكان ، ووجه الشبه المثول والظهور .
والضياء : النور ، وهو في هذا العالم من شعاع الشمس ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هو الذي جعل الشمس ضياء . وتقدم في سورة يونس ، وعبر بالضياء دون النهار ؛ لأن ظلمة الليل قد تخف قليلا بنور القمر ، فكان ذكر الضياء إيماء إلى ذلك .
وفي تعدية فعل يأتيكم في الموضعين إلى ضمير المخاطبين إيماء إلى أن إيجاد الضياء وإيجاد الليل نعمة على الناس . وهذا إدماج للامتنان في أثناء الاستدلال على الانفراد بالإلهية . وإذ قد استمر المشركون على عبادة الأصنام بعد سطوع هذا الدليل وقد علموا أن الأصنام لا تقدر على إيجاد الضياء - جعلوا كأنهم لا يسمعون هذه الآيات التي أقامت الحجة الواضحة على فساد معتقدهم ، ففرع على تلك الحجة الاستفهام الإنكاري عن انتفاء سماعهم بقوله : " أفلا تسمعون " أي أفلا تسمعون الكلام المشتمل على التذكير بأن الله هو خالق الليل والضياء ، ومنه هذه الآية . وليس قوله أفلا تسمعون تذييلا .
وكرر الأمر بالقول في مقام التقرير ؛ لأن التقرير يناسبه التكرير مثل مقام التوبيخ ومقام التهويل .
وعكس الاستدلال الثاني بفرض أن يكون النهار - وهو انتشار نور الشمس - سرمدا ، بأن خلق الله الأرض غير كروية الشكل بحيث يكون شعاع الشمس منتشرا على جميع سطح الأرض دوما .
ووصف الليل بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72تسكنون فيه إدماج للمنة في أثناء الاستدلال للتذكير بالنعمة المشتملة على نعم كثيرة ، وتلك هي نعمة السكون فيه ، فإنها تشمل لذة الراحة ، ولذة الخلاص من الحر ، ولذة استعادة نشاط المجموع العصبي الذي به التفكير والعمل ، ولذة الأمن من العدو .
ولم يوصف الضياء بشيء ؛ لكثرة منافعه واختلاف أنواعها .
وتفرع على هذا الاستدلال أيضا تنزيلهم منزلة من لا يبصرون الأشياء الدالة على عظيم صنع الله وتفرده بصنعها وهي منهم بمرأى الأعين .
[ ص: 171 ] وناسب السمع دليل فرض سرمدة الليل ؛ لأن الليل لو كان دائما لم تكن للناس رؤية ، فإن رؤية الأشياء مشروطة بانتشار شيء من النور على سطح الجسم المرئي ، فالظلمة الخالصة لا ترى فيها المرئيات ؛ ولذلك جيء في جانب فرض دوام الليل بالإنكار على عدم سماعهم ، وجيء في جانب فرض دوام النهار بالإنكار على عدم إبصارهم .
وليس قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72أفلا تبصرون تذييلا .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71nindex.php?page=treesubj&link=28999_32438_29485قُلْ أَرَاْيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72قُلْ أَرَاْيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
انْتِقَالٌ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28658الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ بِصِفَاتِ ذَاتِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ بِبَدِيعِ مَصْنُوعَاتِهِ ، وَفِي ضِمْنِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ إِدْمَاجُ الِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ ، وَلِلتَّعْرِيضِ بِكُفْرِ الْمُشْرِكِينَ جَلَائِلَ نِعَمِهِ .
وَمِنْ أَبْدَعَ الِاسْتِدْلَالِ أَنِ اخْتِيرَ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ هَذَا الصُّنْعُ الْعَجِيبُ الْمُتَكَرِّرُ كَلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِي يَسْتَوِي فِي إِدْرَاكِهِ كُلُّ مُمَيِّزٍ ، وَالَّذِي هُوَ أَجْلَى مَظَاهِرِ التَّغَيُّرِ فِي هَذَا الْعَالَمِ ، فَهُوَ دَلِيلُ الْحُدُوثِ ، وَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي التَّكَيُّفِ بِهِ جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ فِي هَذَا الْعَالَمِ ، حَتَّى الْأَصْنَامَ ، فَهِيَ تُظْلِمُ وَتَسْوَدُّ أَجْسَامُهَا بِظَلَامِ اللَّيْلِ وَتُشْرِقُ وَتُضِيءُ بِضِيَاءِ النَّهَارِ ، وَكَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِتَعَاقُبِ الضِّيَاءِ وَالظُّلْمَةِ عَلَى
[ ص: 169 ] النَّاسِ أَقْوَى وَأَوْضَحَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِتَكْوِينِ أَحَدِهِمَا لَوْ كَانَ دَائِمًا ؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ خَالِقِ الضِّدَّيْنِ وَجَاعِلِ أَحَدِهِمَا يَنْسَخُ الْآخَرَ كُلَّ يَوْمٍ أَظْهَرُ مِنْهَا لَوْ لَمْ يَخْلُقْ إِلَّا أَقْوَاهُمَا وَأَنْفَعَهُمَا ؛ وَلِأَنَّ النِّعْمَةَ بِتَعَاقُبِهِمَا دَوْمًا أَشَدُّ مِنَ الْإِنْعَامِ بِأَفْضَلِهِمَا وَأَنْفَعِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَائِمًا لَكَانَ مَسْئُومًا ، وَلَحَصَلَتْ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَفُقِدَتْ مَنَافِعُ ضِدِّهِ ، فَالتَّنَقُّلُ فِي النِّعَمِ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَلَوْ كَانَ تَنَقُّلًا إِلَى مَا هُوَ دُونَ . وَسِيقَ إِلَيْهِمْ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأُسْلُوبِ تَلْقِينِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَهُ لَهُمُ اهْتِمَامًا بِهَذَا التَّذْكِيرِ لِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَلِاشْتِمَالٍ عَلَى ضِدَّيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ عُقُولُهُمْ قَاصِرَةً عَنْ إِدْرَاكِ دَلَالَةِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ لَكَانَ فِي الضِّدِّ الْآخَرِ تَنْبِيهٌ لَهُمْ ، وَلَوْ قَصَّرُوا عَنْ حِكْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ فِي تَعَاقُبِهِمَا مَا يَكْفِي لِلِاسْتِدْلَالِ .
وَجِيءَ فِي الشَّرْطَيْنِ بِحَرْفِ " إِنْ " ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَفْرُوضٌ فَرْضًا مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ . وَعُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبْرَةِ خَلْقِ النُّورِ ؛ فَلِذَلِكَ فَرَضَ اسْتِمْرَارَ اللَّيْلِ ، وَالْمَقْصُودُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ .
وَالسَّرْمَدُ : الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ . قَالَ فِي " الْكَشَّافِ " : مِنَ السَّرْدِ ، وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ : ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ ، وَالْمِيمُ مَزِيدَةٌ ، وَوَزْنُهُ فَعْمَلَ ، وَنَظِيرُهُ دُلَامِصٌ مِنَ الدِّلَاصِ اهــ . دُلَامِصٌ - بِضَمِّ الدَّالِّ وَكَسْرِ الْمِيمِ - مِنْ صِفَاتِ الدِّرْعِ ، وَأَصْلُهَا دِلَاصٌ - بِدَالٍ مَكْسُورَةٍ - أَيْ بَرَّاقَةٌ . وَنُسِبَ إِلَى صَاحِبِ " الْقَامُوسِ " وَبَعْضِ النُّحَاةِ أَنَّ مِيمَ سَرْمَدٍ أَصْلِيَّةً ، وَأَنَّ وَزْنَهُ " فَعْلَلْ " . وَالْمُرَادُ بِجَعْلِ اللَّيْلِ سَرْمَدًا أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ خَلَقَ الشَّمْسَ وَيَكُونَ خَلَقَ الْأَرْضَ ، فَكَانَتِ الْأَرْضُ مُظْلِمَةً .
وَالرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةٌ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَرَأَيْتُمْ تَقْرِيرِيٌّ ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ إِنْكَارِيٌّ وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِهَذَا الِانْتِفَاءِ ، وَأَنَّ خَالِقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا غَيْرُهُ .
وَالْمُرَادُ بِالْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِحَاطَةُ أَزْمِنَةِ الدُّنْيَا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ انْتِهَاءُ جَعْلِهِ سَرْمَدًا .
وَالْإِتْيَانُ بِالضِّيَاءِ وَبِاللَّيْلِ مُسْتَعَارٌ لِلْإِيجَادِ; شُبِّهَ إِيجَادُ الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ
[ ص: 170 ] مَوْجُودًا بِالْإِجَاءَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ الْمُثُولُ وَالظُّهُورُ .
وَالضِّيَاءُ : النُّورُ ، وَهُوَ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً . وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُونُسَ ، وَعَبَّرَ بِالضِّيَاءِ دُونَ النَّهَارِ ؛ لِأَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ قَدْ تَخِفُّ قَلِيلًا بِنُورِ الْقَمَرِ ، فَكَانَ ذِكْرُ الضِّيَاءِ إِيمَاءً إِلَى ذَلِكَ .
وَفِي تَعْدِيَةِ فِعْلِ يَأْتِيكُمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِيجَادَ الضِّيَاءِ وَإِيجَادَ اللَّيْلِ نِعْمَةٌ عَلَى النَّاسِ . وَهَذَا إِدْمَاجٌ لِلِامْتِنَانِ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِالْإِلَهِيَّةِ . وَإِذْ قَدِ اسْتَمَرَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بَعْدَ سُطُوعِ هَذَا الدَّلِيلِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَقْدِرُ عَلَى إِيجَادِ الضِّيَاءِ - جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَقَامَتِ الْحُجَّةَ الْوَاضِحَةَ عَلَى فَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ ، فَفَرَّعَ عَلَى تِلْكَ الْحُجَّةِ الِاسْتِفْهَامَ الْإِنْكَارِيَّ عَنِ انْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ بِقَوْلِهِ : " أَفَلَا تَسْمَعُونَ " أَيْ أَفَلَا تَسْمَعُونَ الْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى التَّذْكِيرِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ اللَّيْلِ وَالضِّيَاءِ ، وَمِنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ . وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَفَلَا تَسْمَعُونَ تَذْيِيلًا .
وَكَرَّرَ الْأَمْرَ بِالْقَوْلِ فِي مَقَامِ التَّقْرِيرِ ؛ لِأَنَّ التَّقْرِيرَ يُنَاسِبُهُ التَّكْرِيرُ مِثْلَ مَقَامِ التَّوْبِيخِ وَمَقَامِ التَّهْوِيلِ .
وَعُكِسَ الِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي بِفَرْضِ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ - وَهُوَ انْتِشَارُ نُورِ الشَّمْسِ - سَرْمَدًا ، بِأَنْ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ غَيْرَ كُرَوِيَّةِ الشَّكْلِ بِحَيْثُ يَكُونُ شُعَاعُ الشَّمْسِ مُنْتَشِرًا عَلَى جَمِيعِ سَطْحِ الْأَرْضِ دَوْمًا .
وَوَصْفُ اللَّيْلِ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72تَسْكُنُونَ فِيهِ إِدْمَاجٌ لِلْمِنَّةِ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ لِلتَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى نِعَمٍ كَثِيرَةٍ ، وَتِلْكَ هِيَ نِعْمَةُ السُّكُونِ فِيهِ ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُ لَذَّةَ الرَّاحَةِ ، وَلَذَّةَ الْخَلَاصِ مِنَ الْحَرِّ ، وَلَذَّةَ اسْتِعَادَةِ نَشَاطِ الْمَجْمُوعِ الْعَصَبِيِّ الَّذِي بِهِ التَّفْكِيرُ وَالْعَمَلُ ، وَلَذَّةَ الْأَمْنِ مِنَ الْعَدُوِّ .
وَلَمْ يُوصَفِ الضِّيَاءُ بِشَيْءٍ ؛ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا .
وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَيْضًا تَنْزِيلَهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا يُبْصِرُونَ الْأَشْيَاءَ الدَّالَّةَ عَلَى عَظِيمِ صُنْعِ اللَّهِ وَتَفَرُّدِهِ بِصُنْعِهَا وَهِيَ مِنْهُمْ بِمَرْأَى الْأَعْيُنِ .
[ ص: 171 ] وَنَاسَبَ السَّمْعُ دَلِيلَ فَرْضِ سَرْمَدَةِ اللَّيْلِ ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَوْ كَانَ دَائِمًا لَمْ تَكُنْ لِلنَّاسِ رُؤْيَةٌ ، فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِشَارِ شَيْءٍ مِنَ النُّورِ عَلَى سَطْحِ الْجِسْمِ الْمَرْئِيِّ ، فَالظُّلْمَةُ الْخَالِصَةُ لَا تُرَى فِيهَا الْمَرْئِيَّاتُ ؛ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِي جَانِبِ فَرْضِ دَوَامِ اللَّيْلِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِمْ ، وَجِيءَ فِي جَانِبِ فَرْضِ دَوَامِ النَّهَارِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى عَدَمِ إِبْصَارِهِمْ .
وَلَيْسَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72أَفَلَا تُبْصِرُونَ تَذْيِيلًا .