nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29000_19576_7862ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين
أي ومن جاهد ممن يرجون لقاء الله ، فليست الواو للتقسيم ، وليس من
[ ص: 210 ] جاهد بقسيم لمن كانوا يرجون لقاء الله ، بل الجهاد من عوارض من كانوا يرجون لقاء الله .
والجهاد : مبالغة في الجهد الذي هو مصدر جهد كمنع : إذا جد في عمله وتكلف فيه تعبا ؛ ولذلك شاع إطلاقه على القتال في نصر الإسلام ، وهو هنا يجوز أن يكون الصبر على المشاق والأذى اللاحقة بالمسلمين لأجل دخولهم في الإسلام ونبذ دين الشرك حيث تصدى المشركون لأذاهم . فإطلاق الجهاد هنا هو مثل إطلاقه في قوله تعالى بعد هذا :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8وإن جاهداك لتشرك بي ، ومثل إطلاقه في قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقد قفل من إحدى غزواته :
رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .
وهذا المحل هو المتبادر في هذه السورة بناء على أنها كلها مكية ؛ لأنه لم يكن جهاد القتال في
مكة .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6فإنما يجاهد لنفسه على هذا المحمل : أن ما يلاقيه من المشاق لفائدة نفسه ، ليتأتى له الثبات على الإيمان الذي به ينجو من العذاب في الآخرة .
ويجوز أن يراد
nindex.php?page=treesubj&link=7857بالجهاد المعنى المنقول إليه في اصطلاح الشريعة ، وهو قتال الكفار لأجل نصر الإسلام والذب عن حوزته ، ويكون ذكره هنا
nindex.php?page=treesubj&link=33398إعداد نفوس المسلمين لما سيلجئون إليه من قتال المشركين قبل أن يضطروا إليه ، فيكون كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ومناسبة التعريض له على هذا المحمل هو أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5فإن أجل الله لآت تضمن ترقبا لوعد نصرهم على عدوهم ، فقدم إليهم أن ذلك بعد جهاد شديد وهو ما وقع يوم بدر .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6فإنما يجاهد لنفسه على هذا المحمل هو معناه في المحمل الأول ؛ لأن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=7862الجهاد يدافع صد المشركين إياهم عن الإسلام ، فكان الدوام على الإسلام موقوفا عليه ، وزيادة معنى آخر وهو أن ذلك الجهاد وإن كان في ظاهر الأمر دفاعا عن دين الله فهو أيضا به نصرهم وسلامة حياة الأحياء منهم وأهلهم وأبنائهم وأساس سلطانهم في الأرض ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم [ ص: 211 ] وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا . وقال
علقمة بن شيبان التميمي :
ونقاتل الأعداء عن أبنـائنـا وعلى بصائرنا وإن لم نبصر
والأوفق ببلاغة القرآن أن يكون المحملان مرادين كما قدمنا في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير .
والقصر المستفاد من " إنما " هو قصر الجهاد على الكون لنفس المجاهد ، أي الصالح نفسه ؛ إذ العلة لا تتعلق بالنفس بل بأحوالها ، أي جهاد لفائدة نفسه لا لنفع ينجر إلى الله تعالى ، فالقصر الحاصل بأداة إنما قصر ادعائي للتنبيه إلى ما يغفلون عنه - حين يجاهدون الجهاد بمعنييه - من الفوائد المنجرة إلى أنفس المجاهدين ؛ ولذلك عقب الرد المستفاد من القصر بتعليله بأن الله غني عن العالمين ، فلا يكون شيء من الجهاد لله تعالى ، ولكن نفعه للأمة .
فموقع حرف التأكيد هنا هو موقع فاء التفريع الذي نبه عليه صاحب " دلائل الإعجاز " وتقدم غير مرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29000_19576_7862وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
أَيْ وَمَنْ جَاهَدَ مِمَّنْ يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّهِ ، فَلَيْسَتِ الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ ، وَلَيْسَ مَنْ
[ ص: 210 ] جَاهَدَ بِقَسِيمٍ لِمَنْ كَانُوا يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّهِ ، بَلِ الْجِهَادُ مِنْ عَوَارِضِ مَنْ كَانُوا يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّهِ .
وَالْجِهَادُ : مُبَالَغَةٌ فِي الْجَهْدِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ جَهَدَ كَمَنَعَ : إِذَا جَدَّ فِي عَمَلِهِ وَتَكَلَّفَ فِيهِ تَعَبًا ؛ وَلِذَلِكَ شَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْقِتَالِ فِي نَصْرِ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّبْرَ عَلَى الْمَشَاقِّ وَالْأَذَى اللَّاحِقَةِ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَجْلِ دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَنَبْذِ دِينِ الشِّرْكِ حَيْثُ تَصَدَّى الْمُشْرِكُونَ لِأَذَاهُمْ . فَإِطْلَاقُ الْجِهَادِ هُنَا هُوَ مِثْلُ إِطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي ، وَمِثْلُ إِطْلَاقِهِ فِي قَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَفَلَ مِنْ إِحْدَى غَزَوَاتِهِ :
رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ .
وَهَذَا الْمَحَلُّ هُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جِهَادُ الْقِتَالِ فِي
مَكَّةَ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ عَلَى هَذَا الْمَحْمِلِ : أَنَّ مَا يُلَاقِيهِ مِنَ الْمَشَاقِّ لِفَائِدَةِ نَفْسِهِ ، لِيَتَأَتَّى لَهُ الثَّبَاتُ عَلَى الْإِيمَانِ الَّذِي بِهِ يَنْجُو مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ
nindex.php?page=treesubj&link=7857بِالْجِهَادِ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إِلَيْهِ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرِيعَةِ ، وَهُوَ قِتَالُ الْكُفَّارِ لِأَجْلِ نَصْرِ الْإِسْلَامِ وَالذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ ، وَيَكُونُ ذِكْرُهُ هُنَا
nindex.php?page=treesubj&link=33398إِعْدَادَ نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا سَيَلْجَئُونَ إِلَيْهِ مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يَضْطَرُّوا إِلَيْهِ ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ وَمُنَاسِبَةُ التَّعْرِيضِ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَحْمِلِ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ تَضَمَّنَ تَرَقُّبًا لِوَعْدِ نَصْرِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ جِهَادٍ شَدِيدٍ وَهُوَ مَا وَقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ عَلَى هَذَا الْمَحْمِلِ هُوَ مَعْنَاهُ فِي الْمَحْمِلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=7862الْجِهَادَ يُدَافِعُ صَدَّ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ ، فَكَانَ الدَّوَامُ عَلَى الْإِسْلَامِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ، وَزِيَادَةُ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْجِهَادَ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ دِفَاعًا عَنْ دِينِ اللَّهِ فَهُوَ أَيْضًا بِهِ نَصْرُهُمْ وَسَلَامَةُ حَيَاةِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَأَسَاسُ سُلْطَانِهِمْ فِي الْأَرْضِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ [ ص: 211 ] وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا . وَقَالَ
عَلْقَمَةُ بْنُ شَيْبَانَ التَّمِيمِيُّ :
وَنُقَاتِلُ الْأَعْدَاءَ عَنْ أَبْنَـائِنَـا وَعَلَى بَصَائِرِنَا وَإِنْ لَمْ نُبْصِرْ
وَالْأَوْفَقُ بِبَلَاغَةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْمِلَانِ مُرَادَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ .
وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ " إِنَّمَا " هُوَ قَصْرُ الْجِهَادِ عَلَى الْكَوْنِ لِنَفْسِ الْمُجَاهِدِ ، أَيِ الصَّالِحِ نَفْسِهِ ؛ إِذِ الْعِلَّةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ بَلْ بِأَحْوَالِهَا ، أَيْ جِهَادٍ لِفَائِدَةِ نَفْسِهِ لَا لِنَفْعٍ يَنْجَرُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَالْقَصْرُ الْحَاصِلُ بِأَدَاةٍ إِنَّمَا قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلتَّنْبِيهِ إِلَى مَا يَغْفُلُونَ عَنْهُ - حِينَ يُجَاهِدُونَ الْجِهَادَ بِمَعْنَيَيْهِ - مِنَ الْفَوَائِدِ الْمُنْجَرَّةِ إِلَى أَنْفُسِ الْمُجَاهِدِينَ ؛ وَلِذَلِكَ عُقِّبَ الرَّدُّ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْقَصْرِ بِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ الْجِهَادِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَلَكِنَّ نَفْعَهُ لِلْأُمَّةِ .
فَمَوْقِعُ حَرْفِ التَّأْكِيدِ هُنَا هُوَ مَوْقِعُ فَاءِ التَّفْرِيعِ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ " دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ " وَتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ .