أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم  أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون  
هذا تذكير خاص لأهل مكة   ، وإنما خصوا من بين المشركين من العرب لأن أهل مكة   قدوة لجميع القبائل ; ألا ترى أن أكثر قبائل العرب كانوا ينتظرون ماذا يكون من أهل مكة   ، فلما أسلم أهل مكة   يوم الفتح أقبلت وفود القبائل معلنة إسلامهم . 
والجملة معطوفة على جملة فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله  باعتبار ما   [ ص: 34 ] اشتملت عليه تلك الجملة من تقريعهم على كفران نعم الله تعالى  ؛ ولذلك عقبت هذه الجملة بقوله : وبنعمة الله يكفرون    . 
والاستفهام إنكاري ، وجعلت نعمة أمن بلدهم كالشيء المشاهد ، فأنكر عليهم عدم رؤيته ، فقوله : أنا جعلنا حرما آمنا  مفعول يروا . 
ومعنى هذه الآية يعلم مما تقدم عند الكلام على قوله تعالى : وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا  في سورة القصص ، وقد كان أهل مكة   في بحبوحة من الأمن ، وكان غيرهم من القبائل حول مكة  وما بعد منها يغزو بعضهم بعضا ويتغاورون ويتناهبون ، وأهل مكة   آمنون لا يعدو عليهم أحد مع قلتهم ، فذكرهم الله هذه النعمة عليهم . 
والباطل : هو الشرك كما تقدم عند قوله : والذين آمنوا بالباطل  في هذه السورة . ونعمة الله المراد بها الجنس الذي منه إنجاؤهم من الغرق ، وما عداه من النعم المحسوسة المعروفة ، ومن النعم الخفية التي لو تأملوا لأدركوا عظمها ، ومنها نعمة الرسالة المحمدية . 
والمضارع في المواضع الثلاثة دال على تجدد الفعل . 
				
						
						
