[ ص: 396 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228nindex.php?page=treesubj&link=11349_28973ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم
لا يجوز أن يكون ضمير لهن عائدا إلى أقرب مذكور ، وهو المطلقات ، على نسق الضمائر قبله ; لأن المطلقات لم تبق بينهن وبين الرجال علقة ، حتى يكون لهن حقوق ، وعليهن حقوق ، فتعين أن يكون ضمير لهن ضمير الأزواج النساء اللائي اقتضاهن قوله بردهن بقرينة مقابلته بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وللرجال عليهن درجة .
فالمراد بالرجال في قوله وللرجال الأزواج ، كأنه قيل : ولرجالهن عليهن درجة . والرجل إذا أضيف إلى المرأة ، فقيل : رجل فلانة ، كان بمعنى الزوج ، كما يقال للزوجة : امرأة فلان ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وامرأته قائمة إلا امرأتك .
ويجوز أن يعود الضمير إلى النساء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226للذين يؤلون من نسائهم بمناسبة أن الإيلاء من النساء هضم لحقوقهن ، إذا لم يكن له سبب ، فجاء هذا الحكم الكلي على ذلك السبب الخاص لمناسبة ; فإن الكلام تدرج من ذكر النساء اللائي في العصمة ، حين ذكر طلاقهن بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=227وإن عزموا الطلاق ، إلى ذكر المطلقات بتلك المناسبة ، ولما اختتم حكم الطلاق بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وبعولتهن أحق بردهن في ذلك صار أولئك النساء المطلقات زوجات ، فعاد الضمير إليهن باعتبار هذا الوصف الجديد ، الذي هو الوصف المبتدأ به في الحكم ، فكان في الآية ضرب من رد العجز على الصدر ، فعادت إلى أحكام الزوجات ، بأسلوب عجيب : والمناسبة أن في الإيلاء من النساء تطاولا عليهن ، وتظاهرا بما جعل الله للزوج من حق التصرف في العصمة ، فناسب أن يذكروا بأن للنساء من الحق مثل ما للرجال .
وفي الآية احتباك ، فالتقدير : ولهن على الرجال مثل الذي للرجال عليهن ، فحذف من الأول لدلالة الآخر ، وبالعكس . وكان الاعتناء بذكر ما للنساء من الحقوق على الرجال ، وتشبيهه بما للرجال على النساء ; لأن حقوق الرجال على النساء مشهورة ، مسلمة من أقدم عصور البشر ، فأما حقوق النساء فلم تكن مما يلتفت إليه أو كانت متهاونا بها ، وموكولة إلى مقدار حظوة المرأة عند زوجها ، حتى جاء الإسلام فأقامها . وأعظم ما أسست به هو ما جمعته هذه الآية .
[ ص: 397 ] وتقديم الظرف للاهتمام بالخبر ; لأنه من الأخبار التي لا يتوقعها السامعون ، فقدم ليصغي السامعون إلى المسند إليه ، بخلاف ما لو أخر فقيل : ومثل الذي عليهن لهن بالمعروف . وفي هذا إعلان لحقوق النساء ، وإصداع بها وإشادة بذكرها ، ومثل ذلك من شأنه أن يتلقى بالاستغراب ، فلذلك كان محل الاهتمام .
ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=30578حال المرأة إزاء الرجل في الجاهلية ، كانت زوجة أم غيرها ، هي حالة كانت مختلطة بين مظهر كرامة ، وتنافس عند الرغبة ، ومظهر استخفاف ، وقلة إنصاف ، عند الغضب ، فأما الأول فناشئ عما جبل عليه العربي من الميل إلى المرأة ، وصدق المحبة ، فكانت المرأة مطمح نظر الرجل ، ومحل تنافسه ، رغبة في الحصول عليها بوجه من وجوه المعاشرة المعروفة عندهم ، وكانت الزوجة مرموقة من الزوج بعين الاعتبار والكرامة قال شاعرهم وهو
مرة بن محكان السعدي :
يا ربة البيت قومي ، غير صاغرة ضمي إليك رحال القوم والقربا
فسماها ربة البيت وخاطبها خطاب المتلطف حين أمرها فأعقب الأمر بقوله ( غير صاغرة ) وأما الثاني فالرجل ، مع ذلك ، يرى الزوجة مجعولة لخدمته فكان إذا غاضبها أو ناشزته ، ربما اشتد معها في خشونة المعاملة ، وإذا تخالف رأيهما أرغمها على متابعته ، بحق أو بدونه ، وكان شأن العرب في هذين المظهرين متفاوتا بحسب تفاوتهم في الحضارة والبداوة ، وتفاوت أفرادهم في الكياسة والجلافة ، وتفاوت حال نسائهم في الاستسلام والإباء والشرف وخلافه ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال : كنا معشر
قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذون من أدب الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني قالت : ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبيء ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فراعني ذلك وقلت : قد خابت من فعلت ذلك منهن ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على
حفصة فقلت لها : أي
حفصة أتغاضب إحداكن النبيء اليوم حتى الليل ؟ قالت : نعم فقلت : قد خبت وخسرت الحديث . وفي رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عنه : كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا فلما جاء الإسلام ، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا . ويتعين أن يكون هذا الكلام صدرا لما في الرواية الأخرى وهو قوله : كنا
[ ص: 398 ] معشر قريش نغلب النساء ، إلى آخره . فدل على أن أهل
مكة كانوا أشد من أهل
المدينة في معاملة النساء . وأحسب أن سبب ذلك أن أهل
المدينة كانوا من أزد اليمن ، واليمن أقدم بلاد العرب حضارة ، فكانت فيهم رقة زائدة . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341273جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا ، الإيمان يمان والحكمة يمانية وقد سمى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ذلك أدبا فقال : فطفق نساؤنا يأخذن من أدب الأنصار .
وكانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها إذا حلت له ، وإن شاءوا زوجوها بمن شاءوا ، وإن شاءوا لم يزوجوها فبقيت بينهم ، فهم أحق بذلك فنزلت آية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها .
وفي حديث الهجرة
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341274أن النبيء صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مع أصحابه ، وآخى بين المهاجرين والأنصار ، آخى بين
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف وبين
nindex.php?page=showalam&ids=3402سعد بن الربيع الأنصاري ، فعرض
nindex.php?page=showalam&ids=3402سعد بن الربيع على
عبد الرحمن أن يناصفه ماله وقال له : انظر أي زوجتي شئت أنزل لك عنها فقال
عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك . الحديث . فلما جاء الإسلام بالإصلاح ، كان من جملة ما أصلحه من أحوال البشر كافة ، ضبط حقوق الزوجين بوجه لم يبق معه مدخل للهضيمة حتى الأشياء التي قد يخفى أمرها قد جعل لها التحكيم قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما وهذا لم يكن للشرائع عهد بمثله .
وأول إعلان هذا العدل بين الزوجين في الحقوق ، كان بهاته الآية العظيمة ، فكانت هذه الآية من أول ما أنزل في الإسلام .
والمثل أصله النظير والمشابه ، كالشبه والمثل ، وقد تقدم ذلك في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ، وقد يكون الشيء مثلا لشيء في جميع صفاته ، وقد يكون مثلا له في بعض صفاته . وهي وجه الشبه . فقد يكون وجه المماثلة ظاهرا فلا يحتاج إلى بيانه ، وقد يكون خفيا فيحتاج إلى بيانه ، وقد ظهر هنا أنه لا يستقيم معنى المماثلة في سائر الأحوال والحقوق : أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا ; لأن مقتضى الخلقة ، ومقتضى المقصد من المرأة والرجل ، ومقتضى الشريعة ، التخالف بين كثير من
nindex.php?page=treesubj&link=11349أحوال الرجال والنساء في نظام العمران والمعاشرة . فلا جرم يعلم كل السامعين أن ليست المماثلة في كل الأحوال ، وتعين صرفها إلى معنى المماثلة في أنواع الحقوق على إجمال تبينه تفاصيل الشريعة ، فلا يتوهم أنه إذا
[ ص: 399 ] وجب على المرأة أن تقم بيت زوجها ، وأن تجهز طعامه ، أنه يجب عليه مثل ذلك ، كما لا يتوهم أنه كما يجب عليه الإنفاق على امرأته أنه يجب على المرأة الإنفاق على زوجها بل كما تقم بيته وتجهز طعامه يجب عليه هو أن يحرس البيت وأن يحضر لها المعجنة والغربال ، وكما تحضن ولده يجب عليه أن يكفيها مؤنة الارتزاق كي لا تهمل ولده ، وأن يتعهده بتعليمه وتأديبه ، وكما لا تتزوج عليه بزوج في مدة عصمته ، يجب عليه هو أن يعدل بينها وبين زوجة أخرى حتى لا تحس بهضيمة فتكون بمنزلة من لم يتزوج عليها ، وعلى هذا القياس فإذا تأتت المماثلة الكاملة فتشرع ، فعلى المرأة أن تحسن معاشرة زوجها ، بدليل ما رتب على حكم النشوز ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34واللاتي تخافون نشوزهن وعلى الرجل مثل ذلك قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وعاشروهن بالمعروف وعليها حفظ نفسها عن غيره ممن ليس بزوج ، وعليه مثل ذلك عمن ليست بزوجة
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5والذين هم لفروجهم حافظون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إلا على أزواجهم إلا إذا كانت له زوجة أخرى فلذلك حكم آخر ، يدخل تحت قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وللرجال عليهن درجة والمماثلة في بعث الحكمين ، والمماثلة في الرعاية ، ففي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341275الرجل راع على أهله والمرأة راعية في بيت زوجها ، والمماثلة في التشاور في الرضاع ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وأتمروا بينكم بمعروف .
وتفاصيل هاته المماثلة ، بالعين أو بالغاية ، تؤخذ من تفاصيل أحكام الشريعة ، ومرجعها إلى نفي الإضرار ، وإلى حفظ مقاصد الشريعة من الأمة ، وقد أومأ إليها قوله تعالى بالمعروف أي لهن حق متلبسا بالمعروف ، غير المنكر ، من مقتضى الفطرة ، والآداب ، والمصالح ، ونفي الإضرار ، ومتابعة الشرع . وكلها مجال أنظار المجتهدين . ولم أر في كتب فروع المذاهب تبويبا لأبواب تجمع حقوق الزوجين . وفي سنن
أبي داود ، وسنن
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، بابان أحدهما لحقوق الزوج على المرأة ، والآخر لحقوق الزوج على الرجل ، باختصار كانوا في الجاهلية يعدون الرجل مولى للمرأة فهي ولية ، كما يقولون ، وكانوا لا يدخرونها تربية ، وإقامة وشفقة ، وإحسانا ، واختيار مصير ، عند إرادة تزويجها ، لما كانوا حريصين عليه من طلب الأكفاء ، بيد أنهم كانوا ، مع ذلك ، لا يرون لها حقا في مطالبة بميراث ولا بمشاركة في اختيار مصيرها ، ولا بطلب ما لها منهم ، وقد أشار الله تعالى إلى بعض أحوالهم هذه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم [ ص: 400 ] في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن - وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن فحدد الله لمعاملات النساء حدودا ، وشرع لهن أحكاما ، قد أعلنتها على الإجمال هذه الآية العظيمة ، ثم فصلتها الشريعة تفصيلا ، ومن لطائف القرآن في التنبيه إلى هذا عطف المؤمنات على المؤمنين عند ذكر كثير من الأحكام ، أو الفضائل ، وعطف النساء على الرجال .
وقوله بالمعروف الباء للملابسة ، والمراد به ما تعرفه العقول السالمة ، المجردة من الانحياز إلى الأهواء ، أو العادات أو التعاليم الضالة ، وذلك هو الحسن وهو ما جاء به الشرع نصا ، أو قياسا ، أو اقتضته المقاصد الشرعية ، أو المصلحة العامة ، التي ليس في الشرع ما يعارضها . والعرب تطلق المعروف على ما قابل المنكر أي وللنساء من الحقوق ، مثل الذي عليهن ملابسا ذلك دائما للوجه غير المنكر شرعا ، وعقلا ، وتحت هذا تفاصيل كبيرة تؤخذ من الشريعة ، وهي مجال لأنظار المجتهدين . في مختلف العصور والأقطار . فقول من يرى أن البنت البكر يجبرها أبوها على النكاح ، قد سلبها حق المماثلة للابن ، فدخل ذلك تحت الدرجة ، وقول من منع جبرها وقال لا تزوج إلا برضاها قد أثبت لها حق المماثلة للذكر ، وقول من منع المرأة من التبرع بما زاد على ثلثها إلا بإذن زوجها ، قد سلبها حق المماثلة للرجل . وقول من جعلها كالرجل في تبرعها بما لها قد أثبت لها حق المماثلة للرجل . وقول من جعل للمرأة حق الخيار في فراق زوجها ، إذا كانت به عاهة ، قد جعل لها حق المماثلة ، وقول من لم يجعل لها ذلك قد سلبها هذا الحق . وكل ينظر إلى أن ذلك من المعروف ، أو من المنكر . وهذا الشأن في كل ما أجمع عليه المسلمون من حقوق الصنفين ، وما اختلفوا فيه من تسوية بين الرجل والمرأة ، أو من تفرقة ، كل ذلك منظور فيه إلى تحقيق قوله تعالى بالمعروف قطعا أو ظنا فكونوا من ذلك بمحل التيقظ ، وخذوا بالمعنى دون التلفظ .
ودين الإسلام حري بالعناية بإصلاح شأن المرأة ، وكيف لا وهي نصف النوع الإنساني ، والمربية الأولى ، التي تفيض التربية السالكة إلى النفوس قبل غيرها ، والتي تصادف عقولا لم تمسها وسائل الشر ، وقلوبا لم تنفذ إليها خراطيم الشيطان . فإذا كانت تلك التربية خيرا ، وصدقا ، وصوابا ، وحقا ، كانت أول ما ينتقش في تلك الجواهر الكريمة ، وأسبق ما يمتزج بتلك الفطر السليمة ، فهيأت لأمثالها ، من خواطر الخير ، منزلا رحبا ، ولم تغادر لأغيارها من الشرور كرامة ولا حبا .
[ ص: 401 ] ودين الإسلام دين تشريع ونظام ، فلذلك جاء بإصلاح حال المرأة ، ورفع شأنها لتتهيأ الأمة الداخلة تحت حكم الإسلام ، إلى الارتقاء وسيادة العالم . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وللرجال عليهن درجة إثبات لتفضيل الأزواج . في حقوق كثيرة على نسائهم لكيلا يظن أن المساواة المشروعة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف مطردة ، ولزيادة بيان المراد من قوله بالمعروف ، وهذا التفضيل ثابت على الإجمال لكل رجل ، ويظهر أثر هذا التفضيل عند نزول المقتضيات الشرعية والعادية .
وقوله وللرجال خبر عن درجة ، قدم للاهتمام بما تفيده اللام من معنى استحقاقهم تلك الدرجة ، كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وفي هذا الاهتمام مقصدان أحدهما دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق ، توهما من قوله آنفا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وثانيهما تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص ، لإبطال إيثارهم المطلق ، الذي كان متبعا في الجاهلية . والرجال جمع رجل ، وهو الذكر البالغ من الآدميين خاصة ، وأما قولهم : امرأة رجلة الرأي ، فهو على التشبيه أي تشبه الرجل .
والدرجة ما يرتقى عليه في سلم أو نحوه ، وصيغت بوزن فعلة من درج إذا انتقل على بطء ، ومهل ، يقال : درج الصبي ، إذا ابتدأ في المشي ، وهي هنا استعارة للرفعة المكنى بها عن الزيادة في الفضيلة الحقوقية ، وذلك أنه تقرر تشبيه المزية في الفضل بالعلو والارتفاع ، فتبع ذلك تشبيه الأفضلية بزيادة الدرجات في سير الصاعد ، لأن بزيادتها زيادة الارتفاع ، ويسمون الدرجة إذا نزل منها النازل : دركة ، لأنه يدرك بها المكان النازل إليه . والعبرة بالمقصد الأول . فإن كان القصد من الدرجة الارتفاع كدرجة السلم والعلو فهي درجة وإن كان القصد النزول كدرك الداموس فهي دركة ، ولا عبرة بنزول الصاعد ، وصعود النازل .
وهذه الدرجة اقتضاها ما أودعه الله في صنف الرجال : من زيادة القوة العقلية ، والبدنية ، فإن الذكورة في الحيوان تمام في الخلقة ، ولذلك نجد صنف الذكر في كل أنواع الحيوان أذكى من الأنثى ، وأقوى جسما ، وعزما ، وعن إرادته يكون الصدر ، ما لم يعرض للخلقة عارض يوجب انحطاط بعض أفراد الصنف ، وتفوق بعض أفراد الآخر نادرا ، فلذلك كانت الأحكام التشريعية الإسلامية جارية على وفق النظم التكوينية ، لأن واضع الأمرين واحد .
[ ص: 402 ] وهذه الدرجة هي
nindex.php?page=treesubj&link=25929ما فضل به الأزواج على زوجاتهم : من الإذن بتعدد الزوجة للرجل ، دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى ، وذلك اقتضاه التزيد في القوة الجسمية ، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر ، ومن جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة ، والمراجعة في العدة كذلك ، وذلك اقتضاه التزيد في القوة العقلية وصدق التأمل ، وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شئون المنزل ، لأن كل اجتماع يتوقع حصول تعارض المصالح فيه ، يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي واحد معين ، من ذلك الجمع ، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعا عند الخلاف ، ورجح جانب الرجل لأن به تأسست العائلة ، ولأنه مظنة الصواب غالبا ، ولذلك إذا لم يمكن التراجع ، واشتد بين الزوجين النزاع ، لزم تدخل القضاء في شأنهما ، وترتب على ذلك بعث الحكمين كما في آية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وإن خفتم شقاق بينهما .
ويؤخذ من الآية حكم حقوق الرجال غير الأزواج ، بلحن الخطاب ، لمساواتهم للأزواج في صفة الرجولة التي كانت هي العلة في ابتزازهم حقوق النساء في الجاهلية فلما أسست الآية حكم المساواة والتفضيل ، بين الرجال والنساء . الأزواج إبطالا لعمل الجاهلية ، أخذنا منها حكم ذلك بالنسبة للرجال غير الأزواج على النساء ، كالجهاد ، وذلك مما اقتضته القوة الجسدية ، وكبعض الولايات المختلف في صحة إسنادها إلى المرأة ، والتفضيل في باب العدالة ، وولاية النكاح ، والرعاية ، وذلك مما اقتضته القوة الفكرية ، وضعفها في المرأة وسرعة تأثرها ، وكالتفضيل في الإرث وذلك مما اقتضته رئاسة العائلة الموجبة لفرط الحاجة إلى المال ، وكالإيجاب على الرجل إنفاق زوجه ، وإنما عدت هذه درجة ، مع أن للنساء أحكاما لا يشاركهن فيها الرجال كالحضانة ، تلك الأحكام التي أشار إليها قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن لأن ما امتاز به الرجال كان من قبيل الفضائل .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=11384تأديب الرجل المرأة إذا كانا زوجين ، فالظاهر أنه شرعت فيه تلك المراتب رعيا لأحوال طبقات الناس ، مع احتمال أن يكون المراد من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن أن ذلك يجريه ولاة الأمور ، ولنا فيه نظر عندما نصل إليه إن شاء الله تعالى .
[ ص: 403 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والله عزيز حكيم العزيز : القوي ، لأن العزة في كلام العرب القوة
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8ليخرجن الأعز منها الأذل وقال شاعرهم :
وإنما العزة للكاثر والحكيم
: المتقن الأمور في وضعها ، من الحكمة كما تقدم .
والكلام تذييل وإقناع للمخاطبين ، وذلك أن الله تعالى لما شرع حقوق النساء كان هذا التشريع مظنة المتلقي بفرط التحرج من الرجال ، الذين ما اعتادوا أن يسمعوا أن للنساء معهم حظوظا ، غير حظوظ الرضا ، والفضل ، والسخاء ، فأصبحت لهن حقوق يأخذنها من الرجال كرها ، إن أبوا ، فكان الرجال بحيث يرون في هذا ثلما لعزتهم ، كما أنبأ عنه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب المتقدم ، فبين الله تعالى أن الله عزيز أي قوي لا يعجزه أحد ، ولا يتقي أحدا ، وأنه حكيم يعلم صلاح الناس ، وأن عزته تؤيد حكمته فينفذ ما اقتضته الحكمة بالتشريع ، والأمر الواجب امتثاله ، ويحمل الناس على ذلك وإن كرهوا .
[ ص: 396 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228nindex.php?page=treesubj&link=11349_28973وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ لَهُنَّ عَائِدًا إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ ، وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ ، عَلَى نَسَقِ الضَّمَائِرِ قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ لَمْ تَبْقَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ عَلَقَةٌ ، حَتَّى يَكُونَ لَهُنَّ حُقُوقٌ ، وَعَلَيْهِنَّ حُقُوقٌ ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ لَهُنَّ ضَمِيرَ الْأَزْوَاجِ النِّسَاءِ اللَّائِي اقْتَضَاهُنَّ قَوْلُهُ بِرَدِّهِنَّ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ .
فَالْمُرَادُ بِالرِّجَالِ فِي قَوْلِهِ وَلِلرِّجَالِ الْأَزْوَاجُ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَلِرِجَالِهِنَّ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ . وَالرَّجُلُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَرْأَةِ ، فَقِيلَ : رَجُلُ فُلَانَةَ ، كَانَ بِمَعْنَى الزَّوْجِ ، كَمَا يُقَالُ لِلزَّوْجَةِ : امْرَأَةُ فُلَانٍ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=71وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى النِّسَاءِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْإِيلَاءَ مِنَ النِّسَاءِ هَضْمٌ لِحُقُوقِهِنَّ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ ، فَجَاءَ هَذَا الْحُكْمُ الْكُلِّيُّ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْخَاصِّ لِمُنَاسَبَةٍ ; فَإِنَّ الْكَلَامَ تَدَرَّجَ مِنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ اللَّائِي فِي الْعِصْمَةِ ، حِينَ ذَكَرَ طَلَاقَهُنَّ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=227وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ، إِلَى ذِكْرِ الْمُطَلَّقَاتِ بِتِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ ، وَلَمَّا اخْتَتَمَ حُكْمَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ صَارَ أُولَئِكَ النِّسَاءُ الْمُطَلَّقَاتُ زَوْجَاتٍ ، فَعَادَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِنَّ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ الْجَدِيدِ ، الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ الْمُبْتَدَأُ بِهِ فِي الْحُكْمِ ، فَكَانَ فِي الْآيَةِ ضَرْبٌ مِنْ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ ، فَعَادَتْ إِلَى أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ ، بِأُسْلُوبٍ عَجِيبٍ : وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ فِي الْإِيلَاءِ مِنَ النِّسَاءِ تَطَاوُلًا عَلَيْهِنَّ ، وَتَظَاهُرًا بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ مِنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي الْعِصْمَةِ ، فَنَاسَبَ أَنْ يُذَكَّرُوا بِأَنَّ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ مَا لِلرِّجَالِ .
وَفِي الْآيَةِ احْتِبَاكٌ ، فَالتَّقْدِيرُ : وَلَهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ مِثْلُ الَّذِي لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ ، فَحَذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الْآخِرِ ، وَبِالْعَكْسِ . وَكَانَ الِاعْتِنَاءُ بِذِكْرِ مَا لِلنِّسَاءِ مِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الرِّجَالِ ، وَتَشْبِيهِهِ بِمَا لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ ; لِأَنَّ حُقُوقَ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ مَشْهُورَةٌ ، مُسَلَّمَةٌ مِنْ أَقْدَمِ عُصُورِ الْبَشَرِ ، فَأَمَّا حُقُوقُ النِّسَاءِ فَلَمْ تَكُنْ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ أَوْ كَانَتْ مُتَهَاوَنًا بِهَا ، وَمَوْكُولَةً إِلَى مِقْدَارِ حُظْوَةِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَأَقَامَهَا . وَأَعْظَمُ مَا أُسِّسَتْ بِهِ هُوَ مَا جَمَعَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ .
[ ص: 397 ] وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَا يَتَوَقَّعُهَا السَّامِعُونَ ، فَقُدِّمَ لِيُصْغِيَ السَّامِعُونَ إِلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخِّرَ فَقِيلَ : وَمِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ لَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ . وَفِي هَذَا إِعْلَانٌ لِحُقُوقِ النِّسَاءِ ، وَإِصْدَاعٌ بِهَا وَإِشَادَةٌ بِذِكْرِهَا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَلَقَّى بِالِاسْتِغْرَابِ ، فَلِذَلِكَ كَانَ مَحَلَّ الِاهْتِمَامِ .
ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30578حَالَ الْمَرْأَةِ إِزَاءَ الرَّجُلِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، كَانْتُ زَوْجَةً أَمْ غَيْرَهَا ، هِيَ حَالَةٌ كَانَتْ مُخْتَلِطَةً بَيْنَ مَظْهَرِ كَرَامَةٍ ، وَتَنَافُسٍ عِنْدَ الرَّغْبَةِ ، وَمَظْهَرِ اسْتِخْفَافٍ ، وَقِلَّةِ إِنْصَافٍ ، عِنْدَ الْغَضَبِ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَنَاشِئٌ عَمَّا جُبِلَ عَلَيْهِ الْعَرَبِيُّ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الْمَرْأَةِ ، وَصِدْقِ الْمَحَبَّةِ ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مَطْمَحَ نَظَرِ الرَّجُلِ ، وَمَحَلَّ تَنَافُسِهِ ، رَغْبَةً فِي الْحُصُولِ عَلَيْهَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمُعَاشَرَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهُمْ ، وَكَانَتِ الزَّوْجَةُ مَرْمُوقَةً مِنَ الزَّوْجِ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ وَالْكَرَامَةِ قَالَ شَاعِرُهُمْ وَهُوَ
مُرَّةُ بْنُ مَحْكَانَ السَّعْدِيُّ :
يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُومِي ، غَيْرَ صَاغِرَةٍ ضُمِّي إِلَيْكِ رِحَالَ الْقَوْمِ وَالْقِرَبَا
فَسَمَّاهَا رَبَّةَ الْبَيْتِ وَخَاطَبَهَا خِطَابَ الْمُتَلَطِّفِ حِينَ أَمَرَهَا فَأَعْقَبَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ ( غَيْرَ صَاغِرَةٍ ) وَأَمَّا الثَّانِي فَالرَّجُلُ ، مَعَ ذَلِكَ ، يَرَى الزَّوْجَةَ مَجْعُولَةً لِخِدْمَتِهِ فَكَانَ إِذَا غَاضَبَهَا أَوْ نَاشَزَتْهُ ، رُبَّمَا اشْتَدَّ مَعَهَا فِي خُشُونَةِ الْمُعَامَلَةِ ، وَإِذَا تَخَالَفَ رَأْيُهُمَا أَرْغَمَهَا عَلَى مُتَابَعَتِهِ ، بِحَقٍّ أَوْ بِدُونِهِ ، وَكَانَ شَأْنُ الْعَرَبِ فِي هَذَيْنِ الْمَظْهَرَيْنِ مُتَفَاوِتًا بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْحَضَارَةِ وَالْبَدَاوَةِ ، وَتَفَاوُتِ أَفْرَادِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْجَلَافَةِ ، وَتَفَاوُتِ حَالِ نِسَائِهِمْ فِي الِاسْتِسْلَامِ وَالْإِبَاءِ وَالشَّرَفِ وَخِلَافِهِ ، رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذُونَ مِنْ أَدَبِ الْأَنْصَارِ فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي قَالَتْ : وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيءِ لِيُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَرَاعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ : قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى
حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا : أَيْ
حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيءَ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ فَقُلْتُ : قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ الْحَدِيثَ . وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ : كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ، وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِنَا . وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ صَدْرًا لِمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُ : كُنَّا
[ ص: 398 ] مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ ، إِلَى آخِرِهِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ كَانُوا أَشَدَّ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ فِي مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ . وَأَحْسَبُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ كَانُوا مِنْ أَزْدِ الْيَمَنِ ، وَالْيَمَنُ أَقْدَمُ بِلَادِ الْعَرَبِ حَضَارَةً ، فَكَانَتْ فِيهِمْ رِقَّةٌ زَائِدَةٌ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341273جَاءَكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَقَدْ سَمَّى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ذَلِكَ أَدَبًا فَقَالَ : فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ الْأَنْصَارِ .
وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا إِذَا حَلَّتْ لَهُ ، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا بِمَنْ شَاءُوا ، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَبَقِيَتْ بَيْنَهُمْ ، فَهُمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا .
وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341274أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مَعَ أَصْحَابِهِ ، وَآخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، آخَى بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=3402سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ ، فَعَرَضَ
nindex.php?page=showalam&ids=3402سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُنَاصِفَهُ مَالَهُ وَقَالَ لَهُ : انْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْتَ أَنْزِلُ لَكَ عَنْهَا فَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ . الْحَدِيثَ . فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ بِالْإِصْلَاحِ ، كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَصْلَحَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْبَشَرِ كَافَّةً ، ضَبْطُ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ بِوَجْهٍ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَدْخَلٌ لِلْهَضِيمَةِ حَتَّى الْأَشْيَاءُ الَّتِي قَدْ يَخْفَى أَمْرُهَا قَدْ جَعَلَ لَهَا التَّحْكِيمُ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرَائِعِ عَهْدٌ بِمِثْلِهِ .
وَأَوَّلُ إِعْلَانِ هَذَا الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْحُقُوقِ ، كَانَ بِهَاتِهِ الْآيَةِ الْعَظِيمَةِ ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ فِي الْإِسْلَامِ .
وَالْمَثَلُ أَصْلُهُ النَّظِيرُ وَالْمُشَابِهُ ، كَالشَّبَهِ وَالْمِثْلِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَثَلًا لِشَيْءٍ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ مَثَلًا لَهُ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ . وَهِيَ وَجْهُ الشَّبَهِ . فَقَدْ يَكُونُ وَجْهُ الْمُمَاثَلَةِ ظَاهِرًا فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ خَفِيًّا فَيُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ ، وَقَدْ ظَهَرَ هُنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَالْحُقُوقِ : أَجْنَاسًا أَوْ أَنْوَاعًا أَوْ أَشْخَاصًا ; لِأَنَّ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ ، وَمُقْتَضَى الْمَقْصِدِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ ، وَمُقْتَضَى الشَّرِيعَةِ ، التَّخَالُفُ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11349أَحْوَالِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي نِظَامِ الْعُمْرَانِ وَالْمُعَاشَرَةِ . فَلَا جَرَمَ يَعْلَمُ كُلُّ السَّامِعِينَ أَنْ لَيْسَتِ الْمُمَاثَلَةُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ ، وَتَعَيَّنَ صَرْفُهَا إِلَى مَعْنَى الْمُمَاثِلَةِ فِي أَنْوَاعِ الْحُقُوقِ عَلَى إِجْمَالٍ تُبَيِّنُهُ تَفَاصِيلُ الشَّرِيعَةِ ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إِذَا
[ ص: 399 ] وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُقِمَّ بَيْتَ زَوْجِهَا ، وَأَنْ تُجَهِّزَ طَعَامَهُ ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ ، كَمَا لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْإِنْفَاقُ عَلَى زَوْجِهَا بَلْ كَمَا تُقِمُّ بَيْتَهُ وَتُجَهِّزُ طَعَامَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَحْرُسَ الْبَيْتَ وَأَنْ يُحَضِرَ لَهَا الْمِعْجَنَةَ وَالْغِرْبَالَ ، وَكَمَا تَحْضُنُ وَلَدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْفِيَهَا مُؤْنَةَ الِارْتِزَاقِ كَيْ لَا تُهْمِلَ وَلَدَهُ ، وَأَنْ يَتَعَهَّدَهُ بِتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ ، وَكَمَا لَا تَتَزَوَّجُ عَلَيْهِ بِزَوْجٍ فِي مُدَّةِ عِصْمَتِهِ ، يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةٍ أُخْرَى حَتَّى لَا تُحِسَّ بِهَضِيمَةٍ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَإِذَا تَأَتَّتِ الْمُمَاثَلَةُ الْكَامِلَةُ فَتُشَرَّعُ ، فَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُحْسِنَ مُعَاشَرَةَ زَوْجِهَا ، بِدَلِيلِ مَا رُتِّبَ عَلَى حُكْمِ النُّشُوزِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ وَعَلَى الرَّجُلِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَعَلَيْهَا حِفْظُ نَفْسِهَا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِزَوْجٍ ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ عَمَّنْ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ الْآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ إِلَّا إِذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى فَلِذَلِكَ حُكْمٌ آخَرٌ ، يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ ، وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الرِّعَايَةِ ، فَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341275الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ، وَالْمُمَاثَلَةُ فِي التَّشَاوُرِ فِي الرَّضَاعِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ .
وَتَفَاصِيلُ هَاتِهِ الْمُمَاثَلَةِ ، بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْغَايَةِ ، تُؤْخَذُ مِنْ تَفَاصِيلِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ ، وَمَرْجِعُهَا إِلَى نَفْيِ الْإِضْرَارِ ، وَإِلَى حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْأُمَّةِ ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى بِالْمَعْرُوفِ أَيْ لَهُنَّ حَقٌّ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْرُوفِ ، غَيْرِ الْمُنْكَرِ ، مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ ، وَالْآدَابِ ، وَالْمَصَالِحِ ، وَنَفْيِ الْإِضْرَارِ ، وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ . وَكُلُّهَا مَجَالُ أَنْظَارِ الْمُجْتَهِدِينَ . وَلَمْ أَرَ فِي كُتُبِ فُرُوعِ الْمَذَاهِبِ تَبْوِيبًا لِأَبْوَابِ تَجْمَعُ حُقُوقَ الزَّوْجَيْنِ . وَفِي سُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ ، وَسُنَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ ، بَابَانِ أَحَدُهُمَا لِحُقُوقِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ ، وَالْآخَرُ لِحُقُوقِ الزَّوْجِ عَلَى الرَّجُلِ ، بِاخْتِصَارٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعِدُّونَ الرَّجُلَ مَوْلًى لِلْمَرْأَةِ فَهِيَ وَلِيَّةٌ ، كَمَا يَقُولُونَ ، وَكَانُوا لَا يَدَّخِرُونَهَا تَرْبِيَةً ، وَإِقَامَةً وَشَفَقَةً ، وَإِحْسَانًا ، وَاخْتِيَارَ مَصِيرٍ ، عِنْدَ إِرَادَةِ تَزْوِيجِهَا ، لِمَا كَانُوا حَرِيصِينَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْأَكْفَاءِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ كَانُوا ، مَعَ ذَلِكَ ، لَا يَرَوْنَ لَهَا حَقًّا فِي مُطَالَبَةٍ بِمِيرَاثٍ وَلَا بِمُشَارَكَةٍ فِي اخْتِيَارِ مَصِيرِهَا ، وَلَا بِطَلَبِ مَا لَهَا مِنْهُمْ ، وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ هَذِهِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [ ص: 400 ] فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ - وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فَحَدَّدَ اللَّهُ لِمُعَامَلَاتِ النِّسَاءِ حُدُودًا ، وَشَرَعَ لَهُنَّ أَحْكَامًا ، قَدْ أَعْلَنَتْهَا عَلَى الْإِجْمَالِ هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ ، ثُمَّ فَصَّلَتْهَا الشَّرِيعَةُ تَفْصِيلًا ، وَمِنْ لَطَائِفِ الْقُرْآنِ فِي التَّنْبِيهِ إِلَى هَذَا عَطْفُ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ ، أَوِ الْفَضَائِلِ ، وَعَطْفُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ .
وَقَوْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَعْرِفُهُ الْعُقُولُ السَّالِمَةُ ، الْمُجَرَّدَةُ مِنَ الِانْحِيَازِ إِلَى الْأَهْوَاءِ ، أَوِ الْعَادَاتِ أَوِ التَّعَالِيمِ الضَّالَّةِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَسَنُ وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ نَصًّا ، أَوْ قِيَاسًا ، أَوِ اقْتَضَتْهُ الْمَقَاصِدُ الشَّرْعِيَّةُ ، أَوِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ ، الَّتِي لَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يُعَارِضُهَا . وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَا قَابَلَ الْمُنْكَرَ أَيْ وَلِلنِّسَاءِ مِنَ الْحُقُوقِ ، مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ مُلَابِسًا ذَلِكَ دَائِمًا لِلْوَجْهِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ شَرْعًا ، وَعَقْلًا ، وَتَحْتَ هَذَا تَفَاصِيلُ كَبِيرَةٌ تُؤْخَذُ مِنَ الشَّرِيعَةِ ، وَهِيَ مَجَالٌ لِأَنْظَارِ الْمُجْتَهِدِينَ . فِي مُخْتَلَفِ الْعُصُورِ وَالْأَقْطَارِ . فَقَوْلُ مَنْ يَرَى أَنَّ الْبِنْتَ الْبِكْرَ يُجْبِرُهَا أَبُوهَا عَلَى النِّكَاحِ ، قَدْ سَلَبَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلِابْنِ ، فَدَخَلَ ذَلِكَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ ، وَقَوْلُ مَنْ مَنَعَ جَبْرَهَا وَقَالَ لَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِرِضَاهَا قَدْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلذَّكَرِ ، وَقَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْمَرْأَةَ مِنَ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا ، قَدْ سَلَبَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلرَّجُلِ . وَقَوْلُ مَنْ جَعَلَهَا كَالرَّجُلِ فِي تَبَرُّعِهَا بِمَا لَهَا قَدْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ لِلرَّجُلِ . وَقَوْلُ مَنْ جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ حَقَّ الْخِيَارِ فِي فِرَاقِ زَوْجِهَا ، إِذَا كَانَتْ بِهِ عَاهَةٌ ، قَدْ جَعَلَ لَهَا حَقَّ الْمُمَاثَلَةِ ، وَقَوْلُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا ذَلِكَ قَدْ سَلَبَهَا هَذَا الْحَقَّ . وَكُلٌّ يَنْظُرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ ، أَوْ مِنَ الْمُنْكَرِ . وَهَذَا الشَّأْنُ فِي كُلِّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُقُوقِ الصِّنْفَيْنِ ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ تَسْوِيَةٍ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، أَوْ مِنْ تَفْرِقَةٍ ، كُلُّ ذَلِكَ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى تَحْقِيقِ قَوْلِهِ تَعَالَى بِالْمَعْرُوفِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا فَكُونُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَحَلِّ التَّيَقُّظِ ، وَخُذُوا بِالْمَعْنَى دُونَ التَّلَفُّظِ .
وَدِينُ الْإِسْلَامِ حَرِيٌّ بِالْعِنَايَةِ بِإِصْلَاحِ شَأْنِ الْمَرْأَةِ ، وَكَيْفَ لَا وَهِيَ نِصْفُ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ ، وَالْمُرَبِّيَةُ الْأُولَى ، الَّتِي تُفِيضُ التَّرْبِيَةَ السَّالِكَةَ إِلَى النُّفُوسِ قَبْلَ غَيْرِهَا ، وَالَّتِي تُصَادِفُ عُقُولًا لَمْ تَمَسَّهَا وَسَائِلُ الشَّرِّ ، وَقُلُوبًا لَمْ تَنْفُذْ إِلَيْهَا خَرَاطِيمُ الشَّيْطَانِ . فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ التَّرْبِيَةُ خَيْرًا ، وَصِدْقًا ، وَصَوَابًا ، وَحَقًّا ، كَانَتْ أَوَّلُ مَا يَنْتَقِشُ فِي تِلْكَ الْجَوَاهِرِ الْكَرِيمَةِ ، وَأَسْبَقَ مَا يَمْتَزِجُ بِتِلْكَ الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ ، فَهَيَّأَتْ لِأَمْثَالِهَا ، مِنْ خَوَاطِرِ الْخَيْرِ ، مَنْزِلًا رَحْبًا ، وَلَمْ تُغَادِرْ لِأَغْيَارِهَا مِنَ الشُّرُورِ كَرَامَةً وَلَا حُبًّا .
[ ص: 401 ] وَدِينُ الْإِسْلَامِ دِينُ تَشْرِيعٍ وَنِظَامٍ ، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِإِصْلَاحِ حَالِ الْمَرْأَةِ ، وَرَفْعِ شَأْنِهَا لِتَتَهَيَّأَ الْأُمَّةُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، إِلَى الِارْتِقَاءِ وَسِيَادَةِ الْعَالَمِ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ إِثْبَاتٌ لِتَفْضِيلِ الْأَزْوَاجِ . فِي حُقُوقٍ كَثِيرَةٍ عَلَى نِسَائِهِمْ لِكَيْلَا يُظَنَّ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَشْرُوعَةَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُطَّرِدَةٌ ، وَلِزِيَادَةِ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَهَذَا التَّفْضِيلُ ثَابِتٌ عَلَى الْإِجْمَالِ لِكُلِّ رَجُلٍ ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا التَّفْضِيلِ عِنْدَ نُزُولِ الْمُقْتَضَيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ .
وَقَوْلُهُ وَلِلرِّجَالِ خَبَرٌ عَنْ دَرَجَةٍ ، قُدِّمَ لِلِاهْتِمَامِ بِمَا تُفِيدُهُ اللَّامُ مِنْ مَعْنَى اسْتِحْقَاقِهِمْ تِلْكَ الدَّرَجَةَ ، كَمَا أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَفِي هَذَا الِاهْتِمَامِ مَقْصِدَانِ أَحَدُهُمَا دَفْعُ تَوَهُّمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي كُلِّ الْحُقُوقِ ، تَوَهُّمًا مِنْ قَوْلِهِ آنِفًا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَثَانِيهُمَا تَحْدِيدُ إِيثَارِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ بِمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ ، لِإِبْطَالِ إِيثَارِهِمُ الْمُطْلَقَ ، الَّذِي كَانَ مُتَّبَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَالرِّجَالُ جَمْعُ رَجُلٍ ، وَهُوَ الذَّكَرُ الْبَالِغُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ خَاصَّةً ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : امْرَأَةٌ رَجُلَةُ الرَّأْيِ ، فَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ تُشْبِهُ الرَّجُلَ .
وَالدَّرَجَةُ مَا يُرْتَقَى عَلَيْهِ فِي سُلَّمٍ أَوْ نَحْوِهِ ، وَصِيغَتْ بِوَزْنِ فَعَلَةٍ مِنْ دَرَجَ إِذَا انْتَقَلَ عَلَى بُطْءٍ ، وَمَهْلٍ ، يُقَالُ : دَرَجَ الصَّبِيُّ ، إِذَا ابْتَدَأَ فِي الْمَشْيِ ، وَهِيَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِلرِّفْعَةِ الْمُكَنَّى بِهَا عَنِ الزِّيَادَةِ فِي الْفَضِيلَةِ الْحُقُوقِيَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَقَرَّرَ تَشْبِيهُ الْمَزِيَّةُ فِي الْفَضْلِ بِالْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ ، فَتَبِعَ ذَلِكَ تَشْبِيهُ الْأَفْضَلِيَّةِ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي سَيْرِ الصَّاعِدِ ، لِأَنَّ بِزِيَادَتِهَا زِيَادَةَ الِارْتِفَاعِ ، وَيُسَمُّونَ الدَّرَجَةَ إِذَا نَزَلَ مِنْهَا النَّازِلُ : دَرَكَةً ، لِأَنَّهُ يُدْرِكُ بِهَا الْمَكَانَ النَّازِلَ إِلَيْهِ . وَالْعِبْرَةُ بِالْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ . فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنَ الدَّرَجَةِ الِارْتِفَاعَ كَدَرَجَةِ السُّلَّمِ وَالْعُلُوَّ فَهِيَ دَرَجَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ النُّزُولَ كَدَرَكِ الدَّامُوسِ فَهِيَ دَرَكَةٌ ، وَلَا عِبْرَةَ بِنُزُولِ الصَّاعِدِ ، وَصُعُودِ النَّازِلِ .
وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ اقْتَضَاهَا مَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي صِنْفِ الرِّجَالِ : مِنْ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَالْبَدَنِيَّةِ ، فَإِنَّ الذُّكُورَةَ فِي الْحَيَوَانِ تَمَامٌ فِي الْخِلْقَةِ ، وَلِذَلِكَ نَجِدُ صِنْفَ الذَّكَرِ فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ أَذْكَى مِنَ الْأُنْثَى ، وَأَقْوَى جِسْمًا ، وَعَزْمًا ، وَعَنْ إِرَادَتِهِ يَكُونُ الصَّدْرُ ، مَا لَمْ يَعْرِضْ لِلْخِلْقَةِ عَارِضٌ يُوجِبُ انْحِطَاطَ بَعْضِ أَفْرَادِ الصِّنْفِ ، وَتَفَوُّقَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْآخَرِ نَادِرًا ، فَلِذَلِكَ كَانَتِ الْأَحْكَامُ التَّشْرِيعِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ جَارِيَةً عَلَى وَفْقِ النُّظُمِ التَّكْوِينِيَّةِ ، لِأَنَّ وَاضِعَ الْأَمْرَيْنِ وَاحِدٌ .
[ ص: 402 ] وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=25929مَا فُضِّلَ بِهِ الْأَزْوَاجُ عَلَى زَوْجَاتِهِمْ : مِنَ الْإِذْنِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَةِ لِلرَّجُلِ ، دُونَ أَنْ يُؤْذَنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِلْأُنْثَى ، وَذَلِكَ اقْتَضَاهُ التَّزَيُّدُ فِي الْقُوَّةِ الْجِسْمِيَّةِ ، وَوَفْرَةِ عَدَدِ الْإِنَاثِ فِي مَوَالِيدِ الْبَشَرِ ، وَمِنْ جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمُرَاجَعَةِ فِي الْعِدَّةِ كَذَلِكَ ، وَذَلِكَ اقْتَضَاهُ التَّزَيُّدُ فِي الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَصِدْقُ التَّأَمُّلِ ، وَكَذَلِكَ جَعْلُ الْمَرْجِعِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ إِلَى رَأْيِ الزَّوْجِ فِي شُئُونِ الْمَنْزِلِ ، لِأَنَّ كُلَّ اجْتِمَاعٍ يُتَوَقَّعُ حُصُولُ تَعَارُضِ الْمَصَالِحِ فِيهِ ، يَتَعَيَّنُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ قَاعِدَةٌ فِي الِانْفِصَالِ وَالصَّدْرُ عَنْ رَأْيٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ، مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ ، وَلَمَّا كَانَتِ الزَّوْجِيَّةُ اجْتِمَاعَ ذَاتَيْنِ لَزِمَ جَعْلُ إِحْدَاهُمَا مَرْجِعًا عِنْدَ الْخِلَافِ ، وَرَجَحَ جَانِبُ الرَّجُلِ لِأَنَّ بِهِ تَأَسَّسَتِ الْعَائِلَةُ ، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الصَّوَابِ غَالِبًا ، وَلِذَلِكَ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ التَّرَاجُعُ ، وَاشْتَدَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ النِّزَاعُ ، لَزِمَ تَدَخُّلُ الْقَضَاءِ فِي شَأْنِهِمَا ، وَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ كَمَا فِي آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا .
وَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ حُكْمُ حُقُوقِ الرِّجَالِ غَيْرِ الْأَزْوَاجِ ، بِلَحْنِ الْخِطَابِ ، لِمُسَاوَاتِهِمْ لِلْأَزْوَاجِ فِي صِفَةِ الرُّجُولَةِ الَّتِي كَانَتْ هِيَ الْعِلَّةَ فِي ابْتِزَازِهِمْ حُقُوقَ النِّسَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا أَسَّسَتِ الْآيَةُ حُكْمَ الْمُسَاوَاةِ وَالتَّفْضِيلِ ، بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . الْأَزْوَاجُ إِبْطَالًا لِعَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، أَخَذْنَا مِنْهَا حُكْمَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ غَيْرِ الْأَزْوَاجِ عَلَى النِّسَاءِ ، كَالْجِهَادِ ، وَذَلِكَ مِمَّا اقْتَضَتْهُ الْقُوَّةُ الْجَسَدِيَّةُ ، وَكَبَعْضِ الْوِلَايَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّةِ إِسْنَادِهَا إِلَى الْمَرْأَةِ ، وَالتَّفْضِيلِ فِي بَابِ الْعَدَالَةِ ، وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ، وَالرِّعَايَةِ ، وَذَلِكَ مِمَّا اقْتَضَتْهُ الْقُوَّةُ الْفِكْرِيَّةُ ، وَضَعْفُهَا فِي الْمَرْأَةِ وَسُرْعَةُ تَأَثُّرِهَا ، وَكَالتَّفْضِيلِ فِي الْإِرْثِ وَذَلِكَ مِمَّا اقْتَضَتْهُ رِئَاسَةُ الْعَائِلَةِ الْمُوجِبَةُ لِفَرْطِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَالِ ، وَكَالْإِيجَابِ عَلَى الرَّجُلِ إِنْفَاقَ زَوْجِهِ ، وَإِنَّمَا عُدَّتْ هَذِهِ دَرَجَةً ، مَعَ أَنَّ لِلنِّسَاءِ أَحْكَامًا لَا يُشَارِكُهُنَّ فِيهَا الرِّجَالُ كَالْحَضَانَةِ ، تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ لِأَنَّ مَا امْتَازَ بِهِ الرِّجَالُ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْفَضَائِلِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11384تَأْدِيبُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَا زَوْجَيْنِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شُرِعَتْ فِيهِ تِلْكَ الْمَرَاتِبُ رَعْيًا لِأَحْوَالِ طَبَقَاتِ النَّاسِ ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُجْرِيهِ وُلَاةُ الْأُمُورِ ، وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ عِنْدَمَا نَصِلُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
[ ص: 403 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الْعَزِيزُ : الْقَوِيُّ ، لِأَنَّ الْعِزَّةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقُوَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَقَالَ شَاعِرُهُمْ :
وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ وَالْحَكِيمِ
: الْمُتْقِنُ الْأُمُورَ فِي وَضْعِهَا ، مِنَ الْحِكْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَالْكَلَامُ تَذْيِيلٌ وَإِقْنَاعٌ لِلْمُخَاطَبِينَ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا شَرَّعَ حُقُوقَ النِّسَاءِ كَانَ هَذَا التَّشْرِيعُ مَظِنَّةَ الْمُتَلَقِّي بِفَرْطِ التَّحَرُّجِ مِنَ الرِّجَالِ ، الَّذِينَ مَا اعْتَادُوا أَنْ يَسْمَعُوا أَنَّ لِلنِّسَاءِ مَعَهُمْ حُظُوظًا ، غَيْرَ حُظُوظِ الرِّضَا ، وَالْفَضْلِ ، وَالسَّخَاءِ ، فَأَصْبَحَتْ لَهُنَّ حُقُوقٌ يَأْخُذْنَهَا مِنَ الرِّجَالِ كَرْهًا ، إِنْ أَبَوْا ، فَكَانَ الرِّجَالُ بِحَيْثُ يَرَوْنَ فِي هَذَا ثَلْمًا لِعِزَّتِهِمْ ، كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمُتَقَدِّمُ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أَيْ قَوِيٌّ لَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ ، وَلَا يَتَّقِي أَحَدًا ، وَأَنَّهُ حَكِيمٌ يَعْلَمُ صَلَاحَ النَّاسِ ، وَأَنَّ عِزَّتَهُ تُؤَيِّدُ حِكْمَتَهُ فَيُنَفِّذُ مَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ بِالتَّشْرِيعِ ، وَالْأَمْرَ الْوَاجِبَ امْتِثَالُهُ ، وَيَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَرِهُوا .