والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه   لما كان المبدأ به من أسباب ثواب المؤمنين هو تلاوتهم كتاب الله أعقب التنويه بهم بالتنويه بالقرآن للتذكير بذلك ، ولأن في التذكير بجلال القرآن وشرفه إيماء إلى علة استحقاق الذين يتلونه ما استحقوا . وابتدئ التنويه به بأنه وحي من الله إلى رسوله ، وناهيك بهذه الصلة تنويها بالكتاب ، وهو يتضمن تنويها بشأن الذي أنزل عليه من قوله والذي أوحينا إليك  ، ففي هذه مسرة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وبشارة له بأنه أفضل الرسل وأن كتابه أفضل الكتب . 
 [ ص: 309 ] وهذه نكتة تعريف المسند إليه باسم الموصول لما في الصلة من الإيماء إلى وجه كونه الحق الكامل ، دون الإضمار الذي هو مقتضى الظاهر بأن يقال : وهو الكتاب الحق . 
فالتعريف في الكتاب تعريف العهد . 
و " من " بيانية لما في الموصول من الإبهام ، والتقدير : والكتاب الذي أوحينا إليك هو الحق . فقدم الموصول الذي حقه أن يقع صفة للكتاب تقديما للتشويق بالإبهام ليقع بعده التفصيل فيتمكن من الذهن فضل تمكن . 
فجملة والذي أوحينا إليك من الكتاب  معطوفة على جملة إن الذين يتلون كتاب الله  فهي مثلها في حكم الاستئناف . وضمير " هو " ضمير فصل ، وهو تأكيد لما أفاده تعريف المسند من القصر . 
والتعريف في " الحق " تعريف الجنس . وأفاد تعريف الجزأين قصر المسند على المسند إليه ، أي قصر جنس الحق على الذي أوحينا إليك  ، وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بحقية ما عداه من الكتب . 
وأما الكتب غير الإلهية مثل ( الزند فستا ) كتاب زرادشت  ومثل كتب الصابئة  فلأن ما فيها من قليل الحق قد غمر بالباطل والأوهام . 
وأما الكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل وما تضمنته كتب الأنبياء كالزبور وكتاب أرميا  من الوحي الإلهي ، فما شهد القرآن بحقيته فقد دخل في شهادة قوله مصدقا لما بين يديه  ، وما جاء نسخه بالقرآن فقد بين النسخ تحديد صلاحيته في القرآن . وذلك أيضا تصديق لها لأنه يدفع موهم بطلانها عند من يجد خلافها في القرآن ، وما عسى أن يكون قد نقل على تحريف أو تأويل فقد دخل فيما أخرجه القصر . وقد بين القرآن معظمه وكشف عن مواقعه كقوله وهو محرم عليكم إخراجهم    . 
ومعنى ما بين يديه ما سبقه لأن السابق يجيء متقدما على المسبوق فكأنه يمشي بين يديه كقوله تعالى إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد    . 
 [ ص: 310 ] والمراد بما بين يديه ما قبله من الشرائع ، وأهمها شريعة موسى  وشريعة عيسى  عليهما السلام . 
وانتصب مصدقا على الحال من الكتاب والعامل في الحال فعل " أوحينا " ليفيد أنه مع كونه حقا بالغا في الحقية فهو مصدق للكتب الحقة ، ومقرر لما اشتملت عليه من الحق . 
				
						
						
