فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون إن كان قوله تعالى هذا ما وعد الرحمن حكاية لكلام الكفار يوم البعث كان هذا كلاما من قبل الله تعالى بواسطة الملائكة وكانت الفاء في قوله فاليوم لا تظلم نفس شيئا فاء فصيحة وهي التي تفصح وتنبئ عن كلام مقدر نشأ عن قوله فإذا هم جميع لدينا محضرون فهو خطاب للذين قالوا من بعثنا من مرقدنا ، والمعنى : فقد أيقنتم أن وعد الله حق وأن الرسل صدقوا فاليوم يوم الجزاء كما كان الرسل ينذرونكم .
وإن كان قوله هذا ما وعد الرحمن من كلام الملائكة كانت الفاء تفريعا عليه وكانت جملة إن كانت إلا صيحة واحدة إلخ معترضة بين المفرع والمفرع عليه .
و " اليوم " ظرف وتعريفه للعهد ، وهو عهد حضور يعني يوم الجزاء . وفائدة ذكر التنويه بذلك اليوم بأنه يوم العدل .
وأشعر قوله لا تظلم نفس شيئا بالتعريض بأنهم سيلقون جزاء قاسيا لكنه عادل لا ظلم فيه لأن نفي الظلم يشعر بأن الجزاء مما يخال أنه متجاوز معادلة الجريمة ، وهو معنى ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون أي إلا على وفاق ما كنتم تعملون وعلى مقداره . وانتصب " شيئا " على المفعول المطلق ، أي شيئا من الظلم .
ووقوع " نفس " و " شيئا " وهما نكرتان في سياق النفي يعم انتفاء كل ذلك عن كل نفس وانتفاء كل شيء من حقيقة الظلم ، وذلك يعم جميع الأنفس . ولكن المقصود أنفس المعاقبين ، أي أن جزاءهم على حسب سيئاتهم جزاء عادل . وإذ قد كان تقديره من الله تعالى وهو العليم بكل شيء كانت حقيقة العدل محققة في مقدار جزائهم إذ في نفس [ ص: 41 ] الأمر ، ولكنه يجري على حسب اجتهاد الحاكمين ، والله لم يكلف الحاكم إلا ببذل جهده في إصابة الحق ، ولهذا قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - كل عدل غير عدل الله معرض للزيادة والنقصان . إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد