أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم عطف فاء الاستفهام على جملة قال هل أنتم مطلعون ، فالاستفهام موجه من هذا القائل إلى بعض المتسائلين .
وهو مستعمل في التقرير المراد به التذكير بنعمة الخلود ، فإنه بعد أن أطلعهم على مصير قرينه السوء أقبل على رفاقه بإكمال حديثه تحدثا بالنعمة واغتباطا وابتهاجا بها ، وذكرا لها فإن لذكر الأشياء المحبوبة لذة ، فما ظنك بذكر نعمة قد انغمسوا فيها وأيقنوا بخلودها . ولعل نظم هذا التذكر في أسلوب الاستفهام التقريري لقصد أن يسمع تكرر ذكر ذلك حين يجيبه الرفاق بأن يقولوا : نعم ما نحن بميتين .
والاستثناء في قوله إلا موتتنا الأولى منقطع ؛ لأن الموت المنفي هو الموت في الحال ، أو الاستقبال كما هو شأن اسم الفاعل ، فتعين أن المستثنى غير داخل في المنفي فهو منقطع ، أي : لكن الموتة الأولى . وذلك الاستدراك تأكيد للنفي . وانتصابه لأجل الانقطاع لا لأجل النفي .
وعطف وما نحن بمعذبين ليتمحض الاستفهام للتحدث بالنعمة لأن المشركين أيضا ما هم بميتين ولكنهم معذبون ، فحالهم شر من الموت . قيل لبعض الحكماء : ما شر من الموت ؟ فقال : الذي يتمنى فيه الموت .
والظاهر أن جملة إن هذا لهو الفوز العظيم حكاية لبقية كلام القائل لرفاقه ، فهي بمنزلة التذييل والفذلكة لحالتهم المشاهد بعضها والمتحدث عن بعضها بقوله أفما نحن بميتين .
[ ص: 120 ] والفوز : الظفر بالمطلوب ، أي حالنا هو النجاح والظفر العظيم .
وقد أبدع في تصوير حسن حالهم بحصر الفوز فيه حتى كان كل فوز بالنسبة إليه ليس بفوز ، فالحصر للمبالغة لعدم الاعتداد بغيره ثم ألحقوا ذلك الحصر بوصفه ب " العظيم " .