إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون
تعليل لما جازاهم الله به من العذاب وإبداء للمناسبة بينه وبين جرمهم ، فإن جرمهم كان تلقيا لما وجدوا عليه آباءهم من الشرك وشعبه بدون نظر ولا اختيار لما [ ص: 127 ] يختاره العاقل ، فكان من جزائهم على ذلك أنهم يطعمون طعاما مؤلما ويسقون شرابا قذرا بدون اختيار كما تلقوا دين آبائهم تقليدا واعتباطا .
فموقع ( إن ) موقع فاء السببية ، ومعناها معنى لام التعليل ، وهي لذلك مفيدة ربط الجملة بالتي قبلها كما تربطها الفاء ولام التعليل كما تقدم غير مرة .
والمراد : المشركون من أهل مكة الذين قالوا : " إنا وجدنا آباءنا على أمة " .
وفي قوله ألفوا آباءهم ضالين إيماء إلى أن فيه لو تركوا على الفطرة العقلية ولم يغشوها بغشاوة العناد . ضلالهم لا يخفى عن الناظر
والفاء الداخلة على جملة " فهم على آثارهم يهرعون " فاء العطف للتفريع والتسبب ، أي متفرع على إلفائهم آبائهم ضالين أن اقتفوا آثارهم تقليدا بلا تأمل ، وهذا ذم لهم .
والآثار : ما تتركه خطى الماشين من موطئ الأقدام فيعلم السائر بعدهم أن مواقعها مسلوكة موصلة إلى معمور ، فمعنى ( على ) الاستعلاء التقريبي ، وهو معنى المعية لأنهم يسيرون معها ولا يلزم أن يكونوا معتلين عليها .
و " يهرعون " بفتح الراء مبنيا للمجهول مضارع : أهرعه ، إذا جعله هارعا ، أي حمله على الهرع وهو الإسراع المفرط في السير ، عبر به عن المتابعة دون تأمل ، فشبه قبول الاعتقاد بدون تأمل بمتابعة السائر متابعة سريعة لقصد الالتحاق به .
وأسند إلى المجهول للدلالة على أن ذلك ناشئ عن تلقين زعمائهم وتعاليم المضللين ، فكأنهم مدفوعون إلى الهرع في آثار آبائهم ، فيحصل من قوله " يهرعون " تشبيه حال الكفرة بحال من يزجى ويدفع إلى السير وهو لا يعلم إلى أين يسار به .