أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه . لما ضرب الله مثلا للمشركين والمؤمنين بمثل رجل فيه شركاء متشاكسون ورجل خالص لرجل ، كان ذلك المثل مثيرا لأن يقول قائل المشركين لتتألبن شركاؤنا على الذي جاء يحقرها ويسبها ، ومثيرا لحمية المشركين أن ينتصروا لآلهتهم كما قال مشركو قوم إبراهيم حرقوه وانصروا آلهتكم ، وربما أنطقتهم حميتهم بتخويف الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الكشاف وتفسير القرطبي : أن قريشا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وإنا نخشى عليك معرتها بعين بعد الميم بمعنى الإصابة بمكروه يعنون المضرة لعيبك إياها ، وفي تفسير ابن عطية ما هو بمعنى هذا ، فلما حكى تكذيبهم النبيء عطف الكلام إلى ما هددوه به وخوفوه من شر أصنامهم بقوله أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه .
فهذا الكلام معطوف على قوله ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء الآية ، والمعنى : أن الله الذي أفردته بالعبادة هو كافيك شر المشركين وباطل آلهتهم التي عبدوها من دونه ، فقوله أليس الله بكاف عبده تمهيد لقوله ويخوفونك بالذين من دونه ، قدم عليه لتعجيل مساءة المشركين بذلك ، ويستتبع ذلك تعجيل مسرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله ضامن له الوقاية كقوله فسيكفيكهم الله .
[ ص: 13 ] وأصل النظم : ويخوفونك بالذين من دون الله و الله كافيك ، فغير مجرى النظم لهذا الغرض ، ولك أن تجعل نظم الكلام على ترتيبه في اللفظ فتجعل جملة أليس الله بكاف عبده استئنافا وتصير جملة ( ويخوفونك ) حالا .
ووقع التعبير عن النبيء صلى الله عليه وسلم بالاسم الظاهر وهو عبده دون ضمير الخطاب لأن المقصود توجيه الكلام إلى المشركين ، وحذف المفعول الثاني ل ( كاف ) لظهور أن المقصود كافيك أذاهم ، فأما الأصنام فلا تستطيع أذى حتى يكفاه الرسول صلى الله عليه وسلم والاستفهام إنكار عليهم ظنهم أن لا حامي للرسول صلى الله عليه وسلم من ضر الأصنام .
والمراد ب ( عبده ) هو الرسول صلى الله عليه وسلم لا محالة وبقرينة ( ويخوفونك ) .
وفي استحضار الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية وإضافته إلى ضمير الجلالة ، معنى عظيم من تشريفه بهذه الإضافة وتحقيق أنه غير مسلمه إلى أعدائه .
والخطاب في ( ويخوفونك ) للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو التفات من ضمير الغيبة العائد على عبده ، ونكتة هذا الالتفات هو تمحيض قصد النبيء بمضمون هذه الجملة بخلاف جملة أليس الله بكاف عبده كما علمت آنفا .
و الذين من دونه هم الأصنام . عبر عنهم وهم حجارة بموصول العقلاء لكثرة استعمال التعبير عنهم في الكلام بصيغ العقلاء . و من دونه صلة الموصول على تقدير محذوف يتعلق به المجرور دل عليه السياق ، تقديره : اتخذوهم من دونه أو عبدوهم من دونه .
ووقع في تفسير البيضاوي أن سبب نزول هذه الآية هو خبر توجيه النبيء صلى الله عليه وسلم إلى هدم العزى وأن سادن العزى قال خالد بن الوليد لخالد : أحذركها يا خالد فإن لها شدة لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس فأنزل الله هذه الآية . وتأول الخطاب في قوله ويخوفونك بأن تخويفهم خالدا أرادوا به تخويف النبيء صلى الله عليه وسلم فتكون هذه الآية مدنية وسياق الآية ناب عنه . ولعل بعض من قال هذا إنما أراد الاستشهاد لتخويف المشركين النبيء صلى الله عليه وسلم من أصنامهم بمثال مشهور .
[ ص: 14 ] وقرأ الجمهور بكاف عبده ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف " عباده " بصيغة الجمع أي النبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فإنهم لما خوفوا النبيء صلى الله عليه وسلم فقد أرادوا تخويفه وتخويف أتباعه وأن الله كفاهم شرهم .