فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .
تفريع فوقاه الله مؤذن بأنهم أضمروا مكرا به . وتسميته مكرا مؤذن بأنهم لم يشعروه به وأن الله تكفل بوقايته لأنه فوض أمره إليه .
والمعنى : فأنجاه الله ، فيجوز أن يكون نجا مع موسى وبني إسرائيل فخرج معهم ، ويجوز أن يكون فر مع فرعون ولم يعثروا عليه .
و ( ما ) مصدرية . والمعنى : سيئات مكرهم . وإضافة سيئات إلى مكر إضافة بيانية ، وهي هنا في قوة إضافة الصفة إلى الموصوف لأن المكر سيء . وإنما جمع السيئات باعتبار تعدد أنواع مكرهم التي بيتوها .
وحاق : أحاط . والعذاب : الغرق . والتعريف للعهد لأنه مشهور معلوم .
وتقدم له ذكر في السور النازلة قبل هذه السورة .
[ ص: 158 ] ومناسبة فعل ( حاق ) لذلك العذاب أنه مما يحيق على الحقيقة ، وإنما كان الغرق سوء عذاب لأن الغريق يعذب باحتباس النفس مدة وهو يطفو على الماء ويغوص فيه ويرعبه هول الأمواج وهو موقن بالهلاك ثم يكون عرضة لأكل الحيتان حيا وميتا وذلك ألم في الحياة وخزي بعد الممات يذكرون به بين الناس .
وقوله النار يعرضون عليها غدوا وعشيا يجوز أن يكون جملة وقعت بدلا من جملة وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، فيجعل النار مبتدأ ويجعل جملة يعرضون عليها خبرا عنه ويكون مجموع الجملة من المبتدأ وخبره بدل اشتمال من جملة وحاق بآل فرعون سوء العذاب لأن سوء العذاب إذا أريد به الغرق كان مشتملا على موتهم وموتهم يشتمل على عرضهم على النار غدوا وعشيا ، فالمذكور عذابان : عذاب الدنيا عذاب الغرق وما يلحق به من عذاب قبل عذاب يوم القيامة .
ويجوز أن يكون النار بدلا مفردا من سوء العذاب بدلا مطابقا وجملة يعرضون عليها حالا من النار فيكون المذكور في الآية عذابا واحدا ولم يذكر عذاب الغرق .
وعلى كلا الوجهين فالمذكور في الآية عذاب قبل عذاب يوم القيامة فذلك هو المذكور بعده بقوله ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .
والعرض حقيقته : إظهار شيء لمن يراه لترغيب أو تحذير وهو يتعدى إلى الشيء المظهر بنفسه وإلى من يظهر لأجله بحرف " على " ، وهذا يقتضي أن المعروض عليه لا يكون إلا من يعقل أو منزلا منزلة من يعقل ، وقد يقلب هذا الاستعمال لقصد المبالغة كقول العرب عرضت الناقة على الحوض ، وحقه : عرضت الحوض على الناقة ، وهو الاستعمال الذي في هذه الآية وقوله في سورة الأحقاف ويوم يعرض الذين كفروا على النار ، وقد عد علماء المعاني القلب من أنواع تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ومثلوا له بقول العرب : عرضت الناقة على الحوض . واختلفوا في عده من أفانين الكلام البليغ فعده منها أبو عبيدة والفارسي والسكاكي ولم يقبله الجمهور ، وقال القزويني : إن تضمن اعتبارا لطيفا قبل وإلا رد .
[ ص: 159 ] وعندي أن الاستعمالين على مقتضى الظاهر وأن العرض قد كثر في معنى الإمرار دون قصد الترغيب كما يقال : عرض الجيش على أميره واستعرضه الأمير . ولعل أصله مجاز ساوى الحقيقة فليس في الآيتين قلب ولا في قول العرب : عرضت الناقة على الحوض ، قلب ، ويقال : عرض بنو فلان على السيف ، إذا قتلوا به . وخرج في الكشف آية الأحقاف على قولهم : عرض على السيف .
ومعنى عرضهم على النار أن أرواحهم تشاهد المواضع التي أعدت لها في جهنم ، وهو ما يبينه حديث عبد الله بن عمر في الصحيح قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم . إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة
وقوله غدوا وعشيا كناية عن الدوام لأن الزمان لا يخلو من هذين الوقتين .
وقوله ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب هذا ذكر عذاب الآخرة الخالد ، أي يقال : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، وعلم من عذاب آل فرعون أن فرعون داخل في ذلك العذاب بدلالة الفحوى .
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر ويعقوب أدخلوا بهمزة قطع وكسر الخاء . وقرأ الباقون بهمزة وصل وضم الخاء على معنى أن القول موجه إلى آل فرعون وأن آل فرعون منادى بحذف الحرف .