وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات .
لا جرم أن حكمة الله تعالى التي تعلقت بإيجاد ما يحف بالإنسان من العوالم على كيفيات ملائمة لحياة الإنسان وراحته قد تعلقت بإيجاد الإنسان في ذاته على كيفية ملائمة له مدة بقاء نوعه على الأرض وتحت أديم السماء ولذلك أعقب التذكير بما مهد له من خلق الأرض والسماء ، بالتذكير بأنه خلقه مستوفيا مصلحته وراحته .
[ ص: 191 ] وعبر عن هذا الخلق بفعل ( صوركم ) لأن التصوير خلق على صورة مرادة تشعر بالعناية ، ألا ترى إلى قوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم فاقتضى حسن الصور فلذلك عدل في جانب خلق الإنسان عن فعل الجعل إلى فعل التصوير بقوله وصوركم فهو كقوله تعالى الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ثم صرح بما اقتضاه فعل التصوير من الإتقان والتحسين بقوله فأحسن صوركم .
والفاء في قوله فأحسن صوركم عاطفة جملة على جملة ودالة على التعقيب أي أوجد صورة الإنسان فجاءت حسنة .
وعطف على هذه العبرة والمنة منة أخرى فيها عبرة ، أي خلقكم في أحسن صورة ثم أمدكم بأحسن رزق فجمع لكم بين الإيجاد والإمداد ، ولما كان الرزق شهوة في ظاهره وكان مشتملا على حكمة إمداد الجسم بوسائل تجديد قواه الحيوية وكان في قوله رزقكم إيماء إلى نعمة طول الوجود فلم يكن الإنسان من الموجودات التي تظهر على الأرض ثم تضمحل في زمن قريب وجمع له بين حسن الإيجاد وبين حسن الإمداد فجعل ما به مدد الحياة وهو على خلاف رزق بقية أنواع الحيوان . الرزق من أحسن الطيبات