أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد .
عطف على إعلام الرسول بما سيظهر من دلائل صدق القرآن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم زيادة لتثبيت الرسول وشرح صدره بأن الله تكفل له بظهور دينه ووضوح صدقه في سائر أقطار الأرض وفي أرض قومه ، على طريقة الاستفهام التقريري تحقيقا لتيقن النبيء صلى الله عليه وسلم بكفالة ربه بحيث كانت مما يقرر عليها كناية عن اليقين بها ، فالاستفهام تقريري .
والمعنى : تكفيك شهادة ربك بصدقك فلا تلتفت لتكذيبهم ، وهذا على حد قوله : لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا وقوله : وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا فهذا وجه في موقع هذه الآية .
وهنالك وجه آخر أن يكون مساقها مساق تلقين النبيء صلى الله عليه وسلم أن يستشهد بالله على أن القرآن من عند الله ، فيكون موقعها موقع القسم بإشهاد الله ، وهو قسم غليظ فيه معنى نسبة المقسم عليه إلى أنه مما يشهد الله به فيكون الاستفهام إنكاريا ، إنكارا لعدم الاكتفاء بالقسم بالله ، وهو كناية عن القسم ، وعن عدم [ ص: 21 ] تصديقهم بالقسم ، فيكون معنى الآية قريبا من معنى قوله تعالى : قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم وقوله تعالى : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا .
وليس معنى الآية إنكارا على المشركين أنهم لم يكتفوا بشهادة الله على صدق القرآن ولا على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم غير معترفين بأن الله شهد بذلك فلا يظهر توجه الإنكار إليهم .
ولقد دلت كلمات المفسرين في تفسير هذه الآية على تردد في استخراج معناها من لفظها .
وقوله : أنه على كل شيء شهيد بدل اشتمال من بربك والتقدير : أولم يكفهم ربك علمه بكل شيء ، أي فهو يحقق ما وعدك من دمغهم بالحجة الدالة على صدقك ، أو فمن استشهد به فقد صدق لأن الله لا يقر من استشهد به كاذبا فلا يلبث أن يأخذه .
وفي الآية على الوجه الثاني من وجهي قوله : أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد إشارة إلى أن الله لا يصدق من كذب عليه فلا يتم له أمر وهو معنى قول أئمة أصول الدين : إن دلالة المعجزة على الصدق أن تغيير الله العادة لأجل تحدي الرسول صلى الله عليه وسلم قائم مقام قوله : صدق عبدي فيما أخبر به عني .