ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب
يجوز أن تكون الجملة مقول قول محذوف يدل عليه قوله : لتنذر أم القرى الآية ، فتكون كلاما مستأنفا لأن الإنذار يقتضي كلاما منذرا به ، ويجوز أن تكون متصلة بجملة وما اختلفتم فيه من شيء تكملة للكلام الموجه من الله ويكون في قوله ربي التفات من الخطاب إلى التكلم ، والتقدير : ذلكم الله ربكم ، وتكون جملتا عليه توكلت وإليه أنيب معترضتين .
والإشارة لتمييز المشار إليه وهو المفهوم من فحكمه إلى الله . وهذا التمييز لإبطال التباس ماهية الإلهية والربوبية على المشركين إذ سموا الأصنام آلهة وأربابا .
وأوثر اسم الإشارة الذي يستعمل للبعيد لقصد التعظيم بالبعد الاعتباري اللازم للسمو وشرف القدر ، أي ذلكم الله العظيم . ويتوصل من ذلك إلى تعظيم حكمه ، فالمعنى : الله العظيم في حكمه هو ربي الذي توكلت عليه فهو كافيني منكم .
التوكل : تفعل من الوكل ، وهو التفويض في العمل ، وتقدم عند قوله تعالى ، فإذا عزمت فتوكل على الله في سورة آل عمران .
[ ص: 43 ] والإنابة : الرجوع ، والمراد بها هنا الكناية عن ترك الاعتماد على الغير لأن الرجوع إلى الشيء يستلزم عدم وجود المطلوب عند غيره ، وتقدمت الإنابة عند قوله تعالى : إن إبراهيم لحليم أواه منيب في سورة هود .
وجيء في فعل ( توكلت ) بصيغة الماضي وفي فعل ( أنيب ) بصيغة المضارع للإشارة إلى أن توكله على الله كان سابقا من قبل أن يظهر له تنكر قومه له ، فقد صادف تنكرهم منه عبدا متوكلا على ربه ، وإذا كان توكله قد سبق تنكر قومه فاستمراره بعد أن كشروا له عن أنياب العدوان محقق .
وأما فعل ( أنيب ) فجيء فيه بصيغة المضارع للإشارة إلى تجدد الإنابة وطلب المغفرة . ويعلم تحققها في الماضي بمقارنتها لجملة عليه توكلت لأن المتوكل منيب ، ويجوز أن يكون ذلك من الاحتباك . والتقدير : عليه توكلت وأتوكل وإليه أنبت وأنيب .
وتقديم المتعلقين في عليه توكلت وإليه أنيب لإفادة الاختصاص ، أي لا أتوكل إلا عليه ولا أنيب إلا إليه .