ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم
لما كان قوله : وكم أرسلنا من نبي في الأولين موجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للتسلية والوعد بالنصر ، عطف عليه خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم صريحا بقوله ولئن سألتهم الآية ، لقصد التعجيب من حال الذين كذبوه فإنهم إنما كذبوه لأنه دعاهم إلى عبادة إله واحد ونبذ عبادة الأصنام ، ورأوا ذلك عجبا مع أنهم يقرون لله تعالى بأنه خالق العوالم وما فيها . وهل يستحق العبادة غير خالق العابدين ، ولأن الأصنام من جملة ما خلق الله في الأرض من حجارة ، فلو سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم في محاجته إياهم عن خالق الخلق لما استطاعوا غير الإقرار بأنه الله تعالى .
فجملة ولئن سألتهم معطوفة على جملة وكم أرسلنا من نبي في الأولين عطف الغرض ، وهو انتقال إلى الاحتجاج على بطلان الإشراك بإقرارهم الضمني : أن أصنامهم خالية عن صفة استحقاق أن تعبد .
وتأكيد الكلام باللام الموطئة للقسم ولام الجواب ونون التوكيد لتحقيق أنهم يجيبون بذلك تنزيلا لغير المتردد في الخبر منزلة المتردد ، وهذا التنزيل كناية عن جدارة حالتهم بالتعجيب من اختلال تفكيرهم وتناقض عقائدهم وإنما فرض الكشف عن عقيدتهم في صورة سؤالهم عن خالقهم للإشارة إلى أنهم غافلون عن ذلك في [ ص: 168 ] مجرى أحوالهم وأعمالهم ودعائهم حتى إذا سألهم السائل عن خالقهم لم يتريثوا أن يجيبوا بأنه الله ثم يرجعون إلى شركهم .
وتاء الخطاب في سألتهم للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر سياق التسلية ، أو يكون الخطاب لغير معين ليعم كل مخاطب يتصور منه أن يسألهم .
و العزيز العليم هو الله تعالى . وليس ذكر الصفتين العليتين من مقول جوابهم وإنما حكي قولهم بالمعنى ، أي ليقولن خلقهن الذي الصفتان من صفاته ، وإنما هم يقولون : خلقهن الله ، كما حكي عنهم في سورة لقمان . ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله . وذلك هو المستقرئ من كلامهم نثرا وشعرا في الجاهلية .
وإنما عدل عن الاسم العلي إلى الصفتين زيادة في إفحامهم بأن الذي انصرفوا عن توحيده بالعبادة عزيز عليم ، فهو الذي يجب أن يرجوه الناس للشدائد لعزته ، وأن يخلصوا له باطنهم لأنه لا يخفى عليه سرهم ، بخلاف شركائهم فإنها أذلة لا تعلم ، وإنهم لا ينازعون وصفه بـ ( العزيز والعليم ) .
وتخصيص هاتين الصفتين بالذكر من بين بقية الصفات الإلهية لأنها مضادة لصفات الأصنام فإن الأصنام عاجزة عن دفع الأيدي .
والتقدير : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ، وإن سألتهم : أهو العزيز العليم .