انتقل من الاستدلال والامتنان بخلق الأرض إلى الاستدلال والامتنان بخلق وسائل العيش فيها ، وهو ماء المطر الذي به تنبت الأرض ما يصلح لاقتيات الناس .
وأعيد اسم الموصول للاهتمام بهذه الصلة اهتماما يجعلها مستقلة فلا يخطر حضورها بالبال عند حظور الصلتين اللتين قبلها فلا جامع بينها وبينهما في الجامع [ ص: 171 ] الخيالي . وتقدم الكلام على نظيره في سورة الرعد وغيرها فأعيد اسم الموصول لأن مصداقه هو فاعل جميعها .
والإنشاء : الإحياء كما في قوله : ثم إذا شاء أنشره .
وعن أنه أنكر على من قرأ كيف ننشرها بفتح النون وضم الشين وتلا ابن عباس ثم إذا شاء أنشره فأصل الهمزة فيه للتعدية ، وفعله المجرد ( نشر ) بمعنى حيي ، يقال : نشر الميت ، برفع الميت قال الأعشى :
حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
وأصل النشر بسط ما كان مطويا وتفرعت من ذلك معاني الإعادة والانتشار .
والنشر هنا مجاز ؛ لأن الإحياء للأرض مجاز ، وزاده حسنا هنا أن يكون مقدمة لقوله : كذلك تخرجون .
وضمير فأنشرنا التفات من الغيبة إلى التكلم . والميت ضد الحي .
ووصف البلدة به مجاز شائع ؛ قال تعالى : وآية لهم الأرض الميتة أحييناها .
وإنما وصفت البلدة وهي مؤنث بالميت وهو مذكر لكونه على زنة الوصف الذي أصله مصدر نحو : عدل وزور فحسن تجريده من علامة التأنيث على أن الموصوف مجازي التأنيث .
وجملة ( كذلك تخرجون ) معترضة بين المتعاطفين وهو استطراد بالاستدلال على ما جاء به النبيء صلى الله عليه وسلم من إثبات البعث ، بمناسبة الاستدلال على تفرد الله بالإلهية بدلائل في بعضها دلالة على إمكان البعث وإبطال إحالتهم إياه .
والإشارة بذلك إلى الانتشار المأخوذ من فأنشرنا ، أي مثل ذلك الانتشار تخرجون من الأرض بعد فنائكم ، ووجه الشبه هو إحداث الحي بعد موته .
والمقصود من التشبيه إظهار إمكان المشبه كقول أبي الطيب :
[ ص: 172 ]
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
وقرأ الجمهور ( تخرجون ) بالبناء للنائب . وقرأه حمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر ( تخرجون ) بالبناء للفاعل ، والمعنى واحد .