ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين   ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين    . 
بعد أن بين ضلال هؤلاء في تكذيبهم بالبعث بيانا بالبرهان الساطع ، ومثل حالهم بحال الأمم الذين سلفوهم في التكذيب بالرسل وما جاءوا به جمعا بين الموعظة للضالين وتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وكانت فيما مضى من الاستدلال   [ ص: 19 ] دلالة على أن الله متفرد بخلق العالم  وفي ذلك إبطال إشراكهم مع الله آلهة أخرى ، أقبل على تلقين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يستخلصه لهم عقب ذلك بأن يدعوهم إلى الرجوع إلى الحق بقوله ففروا إلى الله    . 
فالجملة المفرعة بالفاء مقول قول محذوف والتقدير : فقل فروا ، دل عليه قوله " إني لكم منه نذير مبين    " فإنه كلام لا يصدر إلا من قائل ولا يستقيم أن يكون كلام مبلغ . 
وحذف القول كثير الورود في القرآن وهو من ضروب إيجازه ، فالفاء من الكلام الذي يقوله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومفادها التفريع على ما تقرر مما تقدم . وليست مفرعة فعل الأمر المحذوف ؛ لأن المفرع بالفاء هو ما يذكر بعدها . 
وقد غير أسلوب الموعظة إلى توجيه الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول لهم هذه الموعظة ؛ لأن لتعدد الواعظين تأثيرا على نفوس المخاطبين بالموعظة . 
والأنسب بالسياق أن الفرار إلى الله مستعار للإقلاع عن ما هم فيه من الإشراك ، وجحود البعث استعارة تمثيلية بتشبيه حال تورطهم في الضلالة بحال من هو في مكان مخوف يدعو حاله أن يفر منه إلى من يجيره ، وتشبيه حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحال نذير قوم بأن ديارهم عرضة لغزو العدو ، فاستعمل المركب وهو " فروا إلى الله " في هذا التمثيل . 
فالمواجه بفروا إلى الله المشركون ؛ لأن المؤمنين قد فروا إلى الله من الشرك . 
والفرار : الهروب ، أي : سرعة مفارقة المكان تجنبا لأذى يلحقه فيه فيعدى بمن الابتدائية للمكان الذي به الأذى ، يقال : فر من بلد الوباء ومن الموت ، والشيء الذي يؤذي ، يقال : فر من الأسد وفر من العدو . 
وجملة " إني لكم منه نذير مبين    " تعليل للأمر بفروا إلى الله باعتبار أن الغاية من الإنذار قصد السلامة من العقاب فصار الإنذار بهذا الاعتبار تعليلا للأمر بالفرار إلى الله ، أي التوجه إليه وحده . 
 [ ص: 20 ] وقوله " منه " صفة لنذير قدمت على الموصوف فصارت حالا . 
وحرف من للابتداء المجازي ، أي مأمور له بأن أبلغكم . 
وعطف ولا تجعلوا مع الله إلها آخر  على ففروا إلى الله نهي عن نسبة الإلهية إلى أحد غير الله . 
فجمع بين الأمر والنهي مبالغة في التأكيد بنفي الضد لإثبات ضده كقوله وأضل فرعون قومه وما هدى    . 
ومن لطائف فخر الدين  أن قوله تعالى " إني لكم منه نذير    " جمع الرسول والمرسل إليهم والمرسل . 
				
						
						
