[ ص: 29 ] إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين .
تعليل لجملتي ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون .
والرزاق هنا بمعنى ما يعم المال والإطعام .
والرزاق : الكثير الإرزاق ، والقوة : القدرة .
وذو القوة : صاحب القدرة . ومن خصائص ذو أن تضاف إلى أمر مهم ، فعلم أن القوة هنا قوة خلية من النقائص .
والمتين : الشديد ، وهو هنا وصف لذي القوة ، أي : الشديد القوة ، وقد عد ( المتين ) في أسمائه تعالى . قال : وذلك يرجع إلى معاني القدرة . وفي معارج النور شرح الأسماء " المتين : كمال في قوته بحيث لا يعارض ولا يدانى " . الغزالي
فالمعنى : أنه المستغني غنى مطلقا فلا يحتاج إلى شيء فلا يكون خلقه الخلق لتحصيل نفع له ولكن لعمران الكون وإجراء نظام العمران باتباع الشريعة التي يجمعها معنى العبادة في قوله " إلا ليعبدون " .
وإظهار اسم الجلالة في " إن الله هو الرزاق " إخراج للكلام على خلاف مقتضى الظاهر ؛ لأن مقتضاه : إني أنا الرزاق ، فعدل عن الإضمار إلى الاسم الظاهر لتكون هذه الجملة مستقلة بالدلالة ، لأنها سيرت مسير الكلام الجامع والأمثال : وحذفت ياء المتكلم من ( يعبدون ) و ( يطعمون ) للتخفيف ، ونظائره كثيرة في القرآن .
وفي قوله " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " طريق قصر لوجود ضمير الفصل ، أي : لا رزاق ، ولا ذا قوة ، ولا متين إلا الله ، وهو قصر إضافي ، أي : دون الأصنام التي يعبدونها .
فالقصر قصر إفراد بتنزيل المشركين في إشراكهم أصنامهم بالله منزلة من يدعي أن الأصنام شركاء لله في صفاته التي منها : الإرزاق ، والقوة ، والشدة ، [ ص: 30 ] فأبطل ذلك بهذا القصر ، قال تعالى إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ، وقال إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب .