أم تأمرهم أحلامهم بهذا .
إضراب انتقال دعا إليه ما في الاستفهام الإنكاري المقدر بعد " أم " من معنى التعجب من حالهم كيف يقولون مثل ذلك القول السابق ويستقر ذلك في إدراكهم وهم يدعون أنهم أهل عقول لا تلتبس عليهم أحوال الناس فهم لا يجهلون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - ليس بحال الكهان ولا المجانين ولا الشعراء وقد أبى عليهم الوليد بن المغيرة أن يقول مثل ذلك في قصة معروفة .
قال . وكانت الزمخشري قريش يدعون أهل الأحلام والنهى والمعنى : أم تأمرهم أحلامهم المزعومة بهذا القول .
والإشارة في قوله بهذا إلى المذكور من القول المعرض به في قوله فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ، والمصرح به في قوله أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ، وهذا كما يقول من يلوم عاقلا على فعل فعله ليس من شأنه أن [ ص: 64 ] يجهل ما فيه من فساد : أعاقل أنت ؟ أو هذا لا يفعله عاقل بنفسه ، ومنه ما حكى الله عن قوم شعيب من قولهم له إنك لأنت الحليم الرشيد .
والحلم : العقل ، قال الراغب : المانع من هيجان الغضب . وفي القاموس هو الأناة . وفي معارج النور : والحلم ملكة غريزية تورث لصاحبها المعاملة بلطف ولين لمن أساء أو أزعج اعتدال الطبيعة .
ومعنى إنكار أن تأمرهم أحلامهم بهذا أن الأحلام الراجحة لا تأمر بمثله ، وفيه تعريض بأنهم أضاعوا أحلامهم حين قالوا ذلك ؛ لأن الأحلام لا تأمر بمثله فهم كمن لا أحلام لهم وهذا تأويل ما روي أن الكافر لا عقل له . قالوا : وإنما للكافر الذهن والذهن يقبل العلم جملة ، والعقل يميز العلم ويقدر المقادير لحدود الأمر والنهي .
والأمر في " تأمرهم " مستعار للباعث ، أي : تبعثهم أحلامهم على هذا القول .