أم عندهم الغيب فهم يكتبون   هذا نظير الإضراب والاستفهام في قوله أم عندهم خزائن ربك  ، أي : بل أعندهم الغيب فهم يكتبون ما يجدونه فيه ويروونه للناس ، أي : ما عندهم الغيب حتى يكتبوه ، فبعد أن رد عليهم إنكارهم الإسلام بأنهم كالذين سألهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - أجرا على تبليغها أعقبه برد آخر بأنهم كالذين اطلعوا على أن عند الله ما يخالف ما ادعى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إبلاغه عن الله فهم يكتبون ما اطلعوا عليه فيجدونه مخالفا لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - . 
قال قتادة :  لما قالوا نتربص به ريب المنون  قال الله تعالى أم عندهم الغيب  ، أي : حتى علموا متى يموت محمد  أو إلى ما يئول إليه أمره فجعله راجعا إلى قوله أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون    . والوجه ما سمعته آنفا . 
والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل ، أي : ما غاب عن علم الناس . 
والتعريف في الغيب تعريف الجنس وكلمة عند تؤذن بمعنى الاختصاص والاستئثار ، أي استأثروا بمعرفة الغيب فعلموا ما لم يعلمه غيرهم . 
والكتابة في قوله فهم يكتبون  يجوز أنها مستعارة للجزم الذي لا يقبل التخلف كقوله كتب ربكم على نفسه الرحمة  ؛ لأن شأن الشيء الذي يراد تحقيقه والدوام عليه أن يكتب ويسجل ، كما قال الحارث بن حلزة    : وهل ينقض ما في المهارق الأهواء  [ ص: 77 ] فيكون الخبر في قوله فهم يكتبون  مستعملا في معناه من إفادة النسبة الخبرية . 
ويجوز أن تكون الكتابة على حقيقتها ، أي : فهم يسجلون ما اطلعوا عليه من الغيب ليبقى معلوما لمن يطلع عليه ويكون الخبر من قوله فهم يكتبون  مستعملا في معنى الفرض والتقدير تبعا لفرض قوله عندهم الغيب  ، ويكون من باب قوله تعالى أعنده علم الغيب فهو يرى  وقوله وقال لأوتين مالا وولدا  أطلع الغيب    . 
وحاصل المعنى : أنهم لا قبل لهم بإنكار ما جحدوه ولا بإثبات ما أثبتوه . 
				
						
						
