كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر .
القول في مفرداته كالقول في نظائره ، وقصة قوم لوط تقدمت في سورة الأعراف وغيرها .
[ ص: 204 ] وعرف قوم لوط بالإضافة إليه إذ لم يكن لتلك الأمة اسم يعرفون به عند العرب .
ولم يحك هنا ما تلقى به قوم لوط دعوة لوط كما حكي في القصص الثلاث قبل هذه ، وقد حكي ذلك في سورة الأعراف وفي سورة هود وفي سورة الحجر ، لأن سورة القمر بنيت على تهديد المشركين عن إعراضهم عن الاتعاظ بآيات الله التي شاهدوها وآثار آياته على الأمم الماضية التي علموا أخبارها وشهدوا آثارها ، فلم يكن ثمة مقتض لتفصيل أقوال تلك الأمم إلا ما كان منها مشابها لأقوال المشركين في تفصيله ولم تكن أقوال قوم لوط بتلك المثابة ، فلذلك اقتصر فيها على حكاية ما هو مشترك بينهم وبين المشركين وهو تكذيب رسولهم وإعراضهم عن نذره . والنذر تقدم .
وجملة إنا أرسلنا عليهم حاصبا استئناف بياني ناشئ عن الإخبار عن قوم لوط بأنهم كذبوا بالنذر .
وكذلك جملة نجيناهم بسحر . وجملة كذلك نجزي من شكر .
والحاصب : الريح التي تحصب ، أي ترمي بالحصباء ترفعها من الأرض لقوتها ، وتقدم في قوله تعالى فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا في سورة العنكبوت .
والاستثناء حقيقي لأن آل لوط من جملة قومه .
وآل لوط : قرابته وهم بناته ، ولوط داخل بدلالة الفحوى . وقد ذكر في آيات أخرى أن زوجة لوط لم ينجها الله ولم يذكر ذلك هنا اكتفاء بمواقع ذكره وتنبيها على أن من لا يؤمن بالرسول لا يعد من آله ، كما قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح .
وذكر بسحر ، أي في وقت السحر للإشارة إلى إنجائهم قبيل حلول العذاب بقومهم لقوله بعده ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر .
وانتصب ( نعمة ) على الحال من ضمير المتكلم ، أي إنعاما منا .
[ ص: 205 ] وجملة كذلك نجزي من شكر معترضة ، وهي استئناف بياني عن جملة نجيناهم بسحر باعتبار ما معها من الحال ، أي إنعاما لأجل أنه شكر ، ففيه إيماء بأن إهلاك غيرهم لأنهم كفروا ، وهذا تعريض بإنذار المشركين وبشارة للمؤمنين .
وفي قوله من عندنا تنويه بشأن هذه النعمة لأن ظرف ( عند ) يدل على الادخار والاستئثار مثل ( لدن ) في قوله من لدنا . فذلك أبلغ من أن يقال : نعمة منا أو أنعمنا .