[ ص: 208 ] ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر .
لما كانت دعوة موسى عليه السلام غير موجهة إلى أمة القبط ، وغير مراد منها التشريع لهم . ولكنها موجهة إلى فرعون وأهل دولته الذين بأيديهم تسير أمور المملكة الفرعونية ، ليسمحوا بإطلاق بني إسرائيل من الاستعباد ، ويمكنوهم من الخروج مع موسى خص بالنذر هنا آل فرعون ، أي فرعون وآله لأنه يصدر عن رأيهم ، ألا ترى أن فرعون لم يستأثر برد دعوة موسى بل قال لمن حوله : ألا تستمعون وقال فماذا تأمرون وقالوا أرجه وأخاه الآية ، ولذلك لم يكن أسلوب الإخبار عن فرعون ومن معه مماثلا لأسلوب الإخبار عن قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط إذ صدر الإخبار عن أولئك بجملة كذبت ، وخولف في الإخبار عن فرعون فصدر بجملة ولقد جاء آل فرعون النذر وإن كان مآل هذه الأخبار الخمسة متماثلا .
والآل : القرابة ، ويطلق مجازا على من له شدة اتصال بالشخص كما في قوله تعالى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب . وكان الملوك الأقدمون ينوطون وزارتهم ومشاورتهم بقرابتهم لأنهم يأمنون كيدهم .
والنذر : جمع نذير : اسم مصدر بمعنى الإنذار . ووجه جمعه أن موسى كرر إنذارهم .
والقول في تأكيد الخبر بالقسم كالقول في نظائره المتقدمة .
وإسناد التكذيب إليهم بناء على ظاهر حالهم وإلا فقد آمن منهم رجل واحد كما في سورة غافر .
وجملة كذبوا بآياتنا كلها بدل اشتمال من جملة جاء آل فرعون النذر لأن مجيء النذر إليهم ملابس للآيات ، وظهور الآيات مقارن لتكذيبهم بها فمجيء النذر مشتمل على التكذيب لأنه مقارن مقارنه .
وقوله بآياتنا إشارة إلى آيات موسى المذكورة في قوله تعالى [ ص: 209 ] فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد وهي تسع آيات منها الخمس المذكورة في آية الأعراف والأربع الأخر ، هي : انقلاب العصا حية ، وظهور يده بيضاء ، وسنو القحط ، وانفلاق البحر بمرأى من فرعون وآله ، ولم ينجع ذلك في تصميمهم على اللحاق ببني إسرائيل .
وتأكيد ( آياتنا ) ب كلها إشارة إلى كثرتها وأنهم لم يؤمنوا بشيء منها . وتكذيبهم بآية انفلاق البحر تكذيب فعلي لأن موسى لم يتحدهم بتلك الآية وقوم فرعون لما رأوا تلك الآية عدوها سحرا وتوهموا البحر أرضا فلم يهتدوا بتلك الآية .
والأخذ : مستعار للانتقام ، وقد تقدم عند قوله تعالى أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف في سورة النحل .
وهذا الأخذ : هو إغراق فرعون ورجال دولته وجنده الذين خرجوا لنصرته كما تقدم في الأعراف .
وانتصب أخذ عزيز مقتدر على المفعولية المطلقة مبينا لنوع الأخذ بأفظع ما هو معروف للمخاطبين من أخذ الملوك والجبابرة .
والعزيز : الذي لا يغلب . والمقتدر : الذي لا يعجز .
وأريد بذلك أنه أخذ لم يبق على العدو أي إبقاء بحيث قطع دابر فرعون وآله .