[ ص: 243 ] nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=29026_32409فبأي آلاء ربكما تكذبان .
الفاء للتفريع على ما تقدم من المنن المدمجة من دلائل صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحقية وحي القرآن ، ودلائل عظمة الله تعالى وحكمته باستفهام عن تعيين نعمة من نعم الله يأتي لهم إنكارها ، وهو تذييل لما قبله .
و ( أي ) استفهام عن تعيين واحد من الجنس الذي تضاف إليه وهي هنا مستعملة في التقرير بذكر ضد ما يقربه مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك . وقد بينته عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=130يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم في سورة الأنعام ، أي لا يستطيع أحد منكم أن يجحد نعم الله .
والآلاء : النعم جمع : إلي بكسر الهمزة وسكون اللام ، وألي بفتح الهمزة وسكون اللام وياء في آخره ويقال : ألو بواو عوض الياء وهو النعمة .
وضمير المثنى في ربكما تكذبان خطاب لفريقين من المخاطبين بالقرآن . والوجه عندي أنه خطاب للمؤمنين والكافرين الذين ينقسم إليهما جنس الإنسان المذكور في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان وهم المخاطبون بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=8ألا تطغوا في الميزان الآية والمنقسم إليهما الأنام المتقدم ذكره ، أي أن نعم الله على الناس لا يجحدها كافر بله المؤمن ، وكل فريق يتوجه إليه الاستفهام بالمعنى الذي يناسب حاله .
والمقصود الأصلي :
nindex.php?page=treesubj&link=30549التعريض بالمشركين وتوبيخهم على أن أشركوا في العبادة مع المنعم غير المنعم ، والشهادة عليهم بتوحيد المؤمنين ، والتكذيب مستعمل في الجحود والإنكار .
وقيل التثنية جرت على طريقة في الكلام العربي أن يخاطبوا الواحد بصيغة المثنى كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=24ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ،
والنسفي .
ويجوز أن تكون التثنية قائمة مقام تكرير اللفظ لتأكيد المعنى مثل : لبيك وسعديك ، ومعنى هذا أن الخطاب لواحد وهو الإنسان .
وقال جمهور المفسرين : هو خطاب للإنس والجن ، وهذا بعيد لأن القرآن
[ ص: 244 ] نزل لخطاب الناس ووعظهم ولم يأت لخطاب الجن ، فلا يتعرض القرآن لخطابهم ، وما ورد في القرآن من وقوع اهتداء نفر من الجن بالقرآن في سورة الأحقاف وفي سورة الجن يحمل على أن الله كلف الجن باتباع ما يتبين لهم في إدراكهم ، وقد يكلف الله أصنافا بما هم أهل له دون غيرهم ، كما كلف أهل العلم بالنظر في العقائد وكما كلفهم بالاجتهاد في الفروع ولم يكلف العامة بذلك ، فما جاء في القرآن من ذكر الجن فهو في سياق الحكاية عن تصرفات الله فيهم وليس لتوجيه العمل بالشريعة .
وأما ما رواه
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الأنصاري أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002543النبيء - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن وهم ساكتون فقال لهم لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم ، كنت كلما أتيت على قوله nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد . قال
الترمذي : هو حديث غريب . وفي سنده
زهير بن محمد وقد ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل .
وهذا الحديث لو صح فليس تفسيرا لضمير التثنية لأن الجن سمعوا ذلك بعد نزوله فلا يقتضي أنهم المخاطبون به وإنما كانوا مقتدين بالذين خاطبهم الله ، وقيل الخطاب للذكور والإناث وهو بعيد .
والتكذيب مستعمل في معنى الجحد والإنكار مجازا لتشنيع هذا الجحد .
وتكذيب الآلاء كناية عن الإشراك بالله في الإلهية . والمعنى : فبأي نعمة من نعم الله عليكم تنكرون إنها نعمة عليكم فأشركتم فيها غيره بله إنكار جميع نعمه إذ تعبدون غيره دواما .
[ ص: 243 ] nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=29026_32409فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .
الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمِنَنِ الْمُدْمَجَةِ مِنْ دَلَائِلِ صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقِّيَّةِ وَحْيِ الْقُرْآنِ ، وَدَلَائِلُ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتُهُ بِاسْتِفْهَامٍ عَنْ تَعْيِينِ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ يَأْتِي لَهُمْ إِنْكَارُهَا ، وَهُوَ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ .
وَ ( أَيِّ ) اسْتِفْهَامٌ عَنْ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي تُضَافُ إِلَيْهِ وَهِيَ هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّقْرِيرِ بِذِكْرِ ضِدِّ مَا يُقَرِّبُهُ مِثْلُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَقَدْ بَيَّنْتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=130يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنْ يَجْحَدَ نِعَمَ اللَّهِ .
وَالْآلَاءُ : النِّعَمُ جَمْعُ : إِلْيٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ ، وَأَلْيٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيَاءٍ فِي آخِرِهِ وَيُقَالُ : أَلْوٌ بِوَاوٍ عِوَضُ الْيَاءِ وَهُوَ النِّعْمَةُ .
وَضَمِيرُ الْمُثَنَّى فِي رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ خِطَابٌ لِفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ . وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَنْقَسِمُ إِلَيْهِمَا جِنْسُ الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَهُمُ الْمُخَاطِبُونَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=8أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ الْآيَةِ وَالْمُنْقَسِمُ إِلَيْهِمَا الْأَنَامُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ ، أَيْ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ لَا يَجْحَدُهَا كَافِرٌ بَلْهَ الْمُؤْمِنُ ، وَكُلُّ فَرِيقٍ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْاِسْتِفْهَامُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُنَاسِبُ حَالَهُ .
وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=30549التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ وَتَوْبِيخِهِمْ عَلَى أَنْ أَشْرَكُوا فِي الْعِبَادَةِ مَعَ الْمُنْعِمِ غَيْرَ الْمُنْعِمِ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِمْ بِتِوْحِيدِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالتَّكْذِيبُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ .
وَقِيلَ التَّثْنِيَةُ جَرَتْ عَلَى طَرِيقَةٍ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ أَنْ يُخَاطِبُوا الْوَاحِدَ بِصِيغَةِ الْمُثَنَّى كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=24أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ذَكَرَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ ،
وَالنَّسَفِيُّ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ التَّثْنِيَةُ قَائِمَةً مَقَامَ تَكْرِيرِ اللَّفْظِ لِتَأْكِيدِ الْمَعْنَى مِثْلَ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْخِطَابَ لِوَاحِدٍ وَهُوَ الْإِنْسَانُ .
وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ : هُوَ خِطَابٌ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ
[ ص: 244 ] نَزَلَ لِخَطَابِ النَّاسِ وَوَعْظِهِمْ وَلَمْ يَأْتِ لِخِطَابِ الْجِنِّ ، فَلَا يَتَعَرَّضُ الْقُرْآنُ لِخِطَابِهِمْ ، وَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وُقُوعِ اهْتِدَاءِ نَفَرٍ مِنَ الْجِنِّ بِالْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَفِي سُورَةِ الْجِنِّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْجِنَّ بِاتِّبَاعِ مَا يَتَبَيَّنُ لَهُمْ فِي إِدْرَاكِهِمْ ، وَقَدْ يُكَلِّفُ اللَّهُ أَصْنَافًا بِمَا هُمْ أَهْلٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ ، كَمَا كَلَّفَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالنَّظَرِ فِي الْعَقَائِدِ وَكَمَا كَلَّفَهُمْ بِالْاِجْتِهَادِ فِي الْفُرُوعِ وَلَمْ يُكَلِّفِ الْعَامَّةَ بِذَلِكَ ، فَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنِّ فَهُوَ فِي سِيَاقِ الْحِكَايَةِ عَنْ تَصَرُّفَاتِ اللَّهِ فِيهِمْ وَلَيْسَ لِتَوْجِيهِ الْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ .
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002543النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ وَهُمْ سَاكِتُونَ فَقَالَ لَهُمْ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قَالُوا لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ . قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ . وَفِي سَنَدِهِ
زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ لِأَنَّ الْجِنَّ سَمِعُوا ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِهِ فَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُمُ الْمُخَاطِبُونَ بِهِ وَإِنَّمَا كَانُوا مُقْتَدِينَ بِالَّذِينَ خَاطَبَهُمُ اللَّهُ ، وَقِيلَ الْخِطَابُ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَهُوَ بَعِيدٌ .
وَالتَّكْذِيبُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْجَحْدِ وَالْإِنْكَارِ مَجَازًا لِتَشْنِيعِ هَذَا الْجَحْدِ .
وَتَكْذِيبُ الْآلَاءِ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ . وَالْمَعْنَى : فَبِأَيِّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تُنْكِرُونَ إِنَّهَا نِعْمَةٌ عَلَيْكُمْ فَأَشْرَكْتُمْ فِيهَا غَيْرَهُ بَلْهَ إِنْكَارَ جَمِيعِ نِعَمِهِ إِذْ تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ دَوَامًا .