[ ص: 352 ] [ ص: 353 ] بسم الله الرحمن الرحيم سورة الحديد هذه السورة تسمى من عهد الصحابة ( ) ، فقد وقع في حديث إسلام سورة الحديد عند عمر بن الخطاب ، الطبراني أن عمر دخل على أخته قبل أن يسلم فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد فقرأه حتى بلغ والبزار آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فأسلم ، وكذلك سميت في المصاحف وفي كتب السنة ، لوقوع لفظ ( الحديد ) فيها في قوله تعالى وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد .
وهذا اللفظ وإن ذكر في سورة الكهف في قوله تعالى آتوني زبر الحديد وهي سابقة في النزول على سورة الحديد على المختار ، فلم تسم به لأنها سميت باسم الكهف للاعتناء بقصة أهل الكهف ، ولأن الحديد الذي ذكر هنا مراد به حديد السلاح من سيوف ودروع وخوذ ، تنويها به إذا هو أثر من آثار حكمة الله في خلق مادته وإلهام الناس صنعه لتحصل به منافع لتأييد الدين ودفاع المعتدين كما قال تعالى فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب .
وفي كون هذه السورة مدنية أو مكية اختلاف قوي لم يختلف مثله في غيرها ، فقال الجمهور : مدنية . وحكى ابن عطية عن النقاش : أن ذلك إجماع المفسرين ، وقد قيل : إن صدرها مكي لما رواه مسلم في صحيحه ، والنسائي عن وابن ماجه أنه قال ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية عبد الله بن مسعود ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلى قوله وكثير منهم فاسقون إلا أربع سنين . من أول الناس إسلاما ، فتكون هذه الآية مكية . عبد الله بن مسعود
وهذا يعارضه ما رواه ابن مردويه عن أنس ، : أن نزول هذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة من ابتداء نزول القرآن ، فيصار إلى [ ص: 354 ] الجمع بين الروايتين أو الترجيح ، ورواية وابن عباس مسلم وغيره عن أصح سندا ، وكلام ابن مسعود يرجح على ما روي عن ابن مسعود أنس ، لأنه أقدم إسلاما وأعلم بنزول القرآن ، وقد علمت آنفا أن صدر هذه السورة كان مقروءا قبل إسلام وابن عباس . قال عمر بن الخطاب ابن عطية يشبه صدرها أن يكون مكيا والله أعلم ، ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا اهـ .
وروي أن نزولها كان يوم ثلاثاء استنادا إلى حديث ضعيف رواه عن الطبراني ورواه ابن عمر الديلمي عن . جابر بن عبد الله
وأقول الذي يظهر أن صدرها مكي كما توسمه ابن عطية وأن ذلك ينتهي إلى قوله وإن الله بكم لرءوف رحيم وأن ما بعد ذلك بعضه نزل بالمدينة كما تقتضيه معانيه مثل حكاية أقوال المنافقين ، وبعضه نزل بمكة مثل آية ألم يأن للذين آمنوا الآية . كما في حديث مسلم . ويشبه أن يكون آخر السورة قوله إن الله قوي عزيز نزل بالمدينة ألحق بهذه السورة بتوقيف من النبيء - صلى الله عليه وسلم - في خلالها أو في آخرها .
قلت : وفيها آية لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح الآية ، وسواء كان المراد بالفتح في تلك الآية فتح مكة أو فتح الحديبية . فإنه أطلق عليه اسم الفتح وبه سميت سورة الفتح ، فهي متعينة لأن تكون مدنية فلا ينبغي الاختلاف في أن معظم السورة مدني .
وروي أن نزولها كان يوم الثلاثاء استنادا إلى حديث ضعيف رواه الطبراني عن ورواه ابن عمر الديلمي عن . جابر بن عبد الله
وقد عدت السورة الخامسة والتسعين في ترتيب نزول السور جريا على قول الجمهور : إنها مدنية فقالوا : نزلت بعد سورة الزلزال وقبل سورة القتال ، وإذا روعي قول : إنها نزلت بعد البعثة بأربع سنين . وما روي من أن سبب إسلام ابن مسعود أنه قرأ صحيفة لأخته عمر بن الخطاب فاطمة فيها صدر سورة الحديد لم يستقم هذا العد لأن العبرة بمكان نزول السورة لا نزول آخرها فيشكل موضعها في عد نزول السورة .
[ ص: 355 ] وعلى قول يكون ابتداء نزولها آخر سنة أربع من البعثة فتكون من أقدم السور نزولا فتكون نزلت قبل سورة الحجر وطه وبعد غافر ، فالوجه أن معظم آياتها نزل بعد سورة الزلزال . ابن مسعود
وعدت آيها في عد أهل المدينة ومكة والشام ثمانا وعشرين ، وفي عد أهل البصرة والكوفة تسعا وعشرين .
وورد في فضلها مع غيرها من السور المفتتحة بالتسبيح ما رواه أبو داود ، ، والترمذي عن والنسائي العرباض بن سارية وقال أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول : إن فيهن آية أفضل من ألف آية الترمذي حديث حسن غريب .
وظن ابن كثير أن الآية المشار إليها في حديث العرباض هي قوله تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم لما ورد في الآثار من كثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها .