لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر     . 
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله  ، لأن شدة الرهبة من المسلمين تشتمل على شدة التحصن لقتالهم إياهم ، أي لا يقدرون على قتالكم إلا في هاته الأحوال والضمير المرفوع في يقاتلونكم عائد إلى الذين كفروا من أهل الكتاب . 
وقوله جميعا يجوز أن يكون بمعنى كلهم كقوله تعالى : إلى الله مرجعكم جميعا  فيكون للشمول ، أي كلهم لا يقاتلونكم اليهود  والمنافقون إلا في قرى محصنة  إلخ . 
ويجوز أن يكون بمعنى مجتمعين ، أي لا يقاتلونكم جيوشا كشأن جيوش المتحالفين فإن ذلك قتال من لا يقبعون في قراهم فيكون النفي منصبا إلى هذا   [ ص: 105 ] القيد ، أي لا يجتمعون على قتالكم اجتماع الجيوش ، أي لا يهاجمونكم ولكن يقاتلون قتال دفاع في قراهم . 
واستثناء " إلا في قرى " على الوجه الأول في " جميعا " استثناء حقيقي من عموم الأحوال ، أي لا يقاتلونكم كلهم في حال من الأحوال إلا في حال الكون في قرى محصنة إلخ . وهو على الوجه الثاني في " جميعا " استثناء منقطع لأن القتال في القرى ووراء الجدر ليس من أحوال قتال الجيوش المتساندين . 
وعلى كلا الاحتمالين فالكرم يفيد أنهم لا يقاتلون إلا متفرقين كل فريق في قريتهم ، وإلا خائفين متترسين . 
والمعنى : لا يهاجمونكم ، وإن هاجمتموهم لا يبرزون إليكم ولكنهم يدافعونكم في قرى محصنة أو يقاتلونكم من وراء جدر ، أي في الحصون والمعاقل ومن وراء الأسوار ، وهذا كناية عن مصيرهم إلى الهزيمة إذ ما حورب قوم في عقر دارهم إلا ذلوا كما قال علي  رضي الله عنه   : وهذا إطلاع لهم على تطمين للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ودخائل الأعداء . 
و الجدر بضمتين في قراءة الجمهور جمع جدار . وقرأه ابن كثير  وأبو عمرو    ( جدار ) على الإفراد ، والمراد الجنس تساوي الجمع . 
و ( محصنة ) : ممنوعة ممن يريد أخذها بأسوار أو خنادق . 
وقرى : بالقصر جمع قرية ، ووزنه وقصره على غير قياس لأن ما كان على زنة فعلة معتل اللام مثل قرية يجمع على فعال بكسر الفاء ممدودا مثل : ركوة وركاء ، وشكوة وشكاء . ولم يسمع القصر إلا في كوة بفتح الكاف لغة وكوى ، وقرية وقرى ولذلك قال الفراء    : قرى شاذ ، يريد خارج عن القياس . 
				
						
						
